ترجمته
هو الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي رحمه الله تعالى، من طبرية الشام، ولد سنة ستين ومائتين للهجرة.
وكان الحافظ الطبراني أشهر أهل زمانه في علم الحديث وصنعته، عالمًا بالتفسير فقيهًا، سيفًا مسلطًا على رقاب الزنادقة والمبتدعة من جهمية ومعتزلة وغيرهم، فقد ردَّ عليهم بمؤلفات عديدة بَيَّن فيها انحرافاتهم ورد عليها فأفاض وأجاد. وقد جمعَ إلى كل هذا كثرة الحفظ وسعة العلم وشدة الذكاء وحُسن السيرة، كما أنه كان معروفًا بحلمه وجلال قدره وصلابته في الحق.
مشايخه
رحل الإمام الطبراني إلى أصبهان أول مرة سنة تسعين ومائتين ثم تركها مدة من الزمن وعاد إليها ثانية سنة عشر أو إحدى عشرة وثلاثمائة ليسمع الحديث من أبي بكر أحمد بن عمرو بن عاصم النبيل، وعبد الله بن محمد بن زكريا، لكنه لم يلحقهما لكونهما توفيا قبل دخوله إلى أصبهان، فسمع بها ممن أدركه من شيوخها مثل إبراهيم بن محمد المعروف بنائلة، ومحمود بن أحمد بن الفرج، وإبراهيم بن متويه، ومحمد بن العباس الأخرم، ومحمد بن يحيى بن منده، وروى عن كثير غيرهم من الأكابر ممن يطول ذكرهم.
ذكر بعض من روى عنه
وأما الذين أخذوا عنه فهم كُثُر، قال أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الرحمـٰن رحمه الله: «حدَّث سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني بأصبهان ستين سنة، فسمع منه الآباء ثم الأبناء فالأسباط حتى لحقوا بالأجداد»، وروى عنه جماعة من كبار المحدثين كابن عقدة، وأبي علي الصحاف، وأبي عبد الله بن خفيف، والقاضي أبي أحمد العسال، وإبراهيم بن محمد بن حمزة، وأبي الشيخ وغيرهم كثير، ومن المتأخرين ما يصعب حصرهم.
مناقبه
لقد كان من جملة ما أكرم الله تعالى الإمام الطبراني التواضع وترك التكبر في طلب العلم، مع رزانة العقل وفصاحة المنطق وعذوبة الحديث بل وبأكثر من ذلك حيث أنعم عليه البارئ عز وجل برؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام مرات عديدة كما روى عنه معاصروه من أهل العلم، فحاز بها البشرى بحسن الخاتمة. ورُوِيَ عنه أنه رحمه الله قال: ورأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المنام كأنه في قصر عَالٍ وكنتُ مُغتمًا مُتفكِرًا في بعض أموري، فكان يقول لي بكلام عالٍ: اللهم اكفني ما أهمني وما لا أهتم به من أمور الدنيا والآخرة.
لقد كان الإمام الطبراني رضي الله عنه على المحَجَّة البيضاء متمسكًا بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الاعتقاد، يعرف الفضل لأهله ويُعظِّم سيدنا محمدًَا صلى الله عليه وسلم ويعتقد أن التوسل بالأنبياء والأولياء أمر جائز مستحسن في الشرع وأنهم ينفعون بإذن الله في حال حياتهم وبعد مماتهم.
وهو واحد من الأعلام الذين رووا الحديث الذي فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم عَلّم الأعمى أن يتوسل به فذهب فتوسل به في حال غيبته وعاد إلى مجلس النبي صلى الله عليه وسلم وقد أبصر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علّم هذا الضرير أن يقول: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبيّ الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي ــ ويسمي حاجته ـ لتقضى لي.
وقد قال الحافظ الطبراني رحمه الله في معجمه بعد أن ساق هذا الحديث: والحديث صحيح. مع أنه من عادته أنه لا يصحح حديثًا مع اتساع كتابه المعجم الكبير، ما قال عن حديث أورده ولو كان صحيحًا: «الحديث صحيح»، إلا عن هذا الحديث.
وروى ابن الجوزي الحنبلي في كتابه: «الوفا بأحوال المصطفى» عن أبي بكر المِنْقَرِيّ قال: كنتُ أنا والطبراني وأبو الشيخ في حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكُنّا على حالة، فَأثَّرَ فينا الجوع، فواصلنا ذلك اليوم، فلمَّا كان وقت العشاء حَضَرتُ قبرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقُلتُ: يا رسول الله الجوع الجوع، وانصرفت. فقال لي أبو الشيخ: اجلس فإمَّا أن يكون الرزق أو الموت، قالَ أبو بكر: فنمتُ أنا وأبو الشيخ، والطبراني جالس ينظر في شىء فَحَضَر بالباب رجل من ءال علي بن أبي طالب رضي الله عنه فَدَقَّ الباب، فإذا معه غلامان مع كل واحد منهما زنبيل كبير فيه شىء كثير. فجلسنا وأكلنا، وظننا أن الباقي يأخذه الغلام، فَولَّـى وترك عندنا الباقي، فلما فرغنا من الطعام قال الرجل: يا قوم أشَكَوتم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم فأمرني بحمل شىء إليكم.
وإنا لنعجب من أمرِ أهلِ الجفاء قساة القلوب نفاة التوسل الذين يكفّرون المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ويتهمونهم بالشِرك؛ لأنهم يتوسلون إلى الله بالأنبياء والأولياء، أين ذهبوا بالأحاديث التي وردت بأن النبي صلى الله عليه وسلم عَلَّم أصحابه التوسل وأين ذهبوا بأقوال وأفعال العلماء من السلف والخلف والأغرب من ذلك ادعاؤهم بأنهم على مذهب السلف وأنهم مُتَّبعون للشرع، وهم على حسب ما يزعمون وما يعتقدون قد كَفَّروا سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم الذي جاءنا بأحكام الشرع، وجعلوه مقررًا للشرك مُعلّمًا له والعياذ بالله من الضلال؛ لأنه عَلَّم الأعمى أن يتوسل به في غير حضرته، نعوذ بالله من موت القلوب ومن الزيغ والانحراف.
ذِكْرُ بعض تآليفه
كان الطبراني رحمه الله واسع العلم كثير التصانيف ومن أشهر ما صنف:
كتاب المعجم الكبير ـ مائتا جزء، كتاب المعجم الأوسط ـ أربعة وعشرون جزءًا.
كتاب المعجم الصغير ـ سبعة أجزاء، مسند العشرة ـ ثلاثون جزءًا، مسند الشاميين ـ عشرة أجزاء، كتاب النوادر ـ عشرة أجزاء، كتاب الفوائد ـ عشرة أجزاء، كتاب دلائل النبوة ـ عشرة أجزاء، كتاب الطوالات ـ ثلاثة أجزاء، كتاب التفسير، كتاب الرد على المعتزلة، كتاب الرد على الجهمية.
وغيرها كثير فقد بلغ عدد ما وُجِد من تصانيفه ما يزيد على مائة مُصنف في علوم مختلفة وفنون شتى.
وفاته
قال الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه: توفي سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني في ذي القعدة يوم السبت، ودفن يوم الأحد لليلتين بقيتا منه سنة ستين وثلاثمائة بباب مدينة أصبهان إلى جنب قبر حممة الدوسـي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبره معروف يزار، وله ابن يُسمى محمدًا ويكنى أبا ذَرّ، وله بنتٌ تُسمَّى فاطمة، أمها أسماء بنت أحمد بن محمد بن شذرة الخطيب، وذُكر أنها كانت تصوم يومًا وتفطر يومًا وكانت لا تنام من الليل إلا قليلًا رحمها الله.
رحم الله الإمام الطبراني وجزاه عن أهل الإسلام خيرًا.