ترجمته
هو أبو عبد الله الزبير بن العوّام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قُصي بن كلاب، حواريُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته صفية بنت عبد المطلب، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الستة أهل الشورى، أسلم وهو ابن ثمان سنين مع أمه وهو من السابقين الأولين إلى الإسلام.
اتفق البخاري ومسلم على حديثين له، وانفرد له البخاري بأربعة أحاديث، ومسلم بحديث واحد.
وهاجر الزبير رضي الله عنه إلى الحبشة الهجرتين، ولما فُرضت الهجرة إلى المدينة المنورة هاجر إليها وهو ابن ثماني عشرة سنة.
مناقبه وفضائله
كان الصحابي الجليل الزبير بن العوام رضي الله عنه واحدًا ممن سَلَّ سيفه دفاعًا عن رسول الله، ففي «حلية الأولياء» أن الزبير سمع نفحة نفحها الشيطان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُخِذَ بأعلى مكة، فخرج الزبير رضي الله عنه يشق الناس بسيفه حتى أتى أعلى مكة فلقيه فقال صلى الله عليه وسلم : «ما لك يا زبير» فقال: أُخبرتُ أنك أُخِذتَ، فأتيتُ أضربُ بسيفي من أخذك، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكـان بذلـك أول من سَلَّ سيفًـا فـي سبيـل الله.
قال النبي صلى الله عليه وسلم:«لكل نبي حواريٌّ وحواريَّ الزبير» وكان الزبير رضي الله عنه ءانذاك كما ذكر الذهبي في «سير أعلام النبلاء» ابن اثنتي عشرة سنة وقد قال موسى ابن طلحة: كان عليٌّ والزبير وطلحة وسعد عِذار عام واحد أي ولدوا في سنة واحدة وقال المدائني: كان طلحة والزبير وعلي أترابًا وكان عمه يُعلقه ويُدَخّن عليه وهو يقول: لا أرجع إلى الكفر أبدًا.
شهد الزبير رضي الله عنه الغزوات والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعه على الموت في سبيل الله وثبت معه يوم بدر ويوم أُحُد وكانت معه إحدى رايات المهاجرين يوم غزوة الفتح، فلما دخل المسلمون مكة المكرمة يوم الفتح كان الزبير رضي الله عنه على المجَنَّبة اليسرى، وكان المقداد بن الأسود على المجَنَّبة اليمنى، فجاءا بفرسيهما فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح الغبار عن وجهيهما بثوبه وقال: «إني قد جعلت للفرس سهمين وللفارس سهمًا، فمن نَقَصَهما نَقَصَه الله».
ولما كانت غزوة بدر الكبرى كان على الزبير عمامة صفراء فنزل جبريل والملائكة على سيماء الزبير، وفي الطبقات الكبرى لابن سعد عن عمرو بن عاصم الكلابي عن هَمّام عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كانت على الزبير رَيطة صفراء مُعتجرًا بها يوم بدر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الملائكة نزلت على سيماء الزبير».
وفي البخاري ومسلم وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الخندق: «من يأتيني بخبر القوم» فقال الزبير: أنا، فأعادها النبي صلى الله عليه وسلم ثانية وثالثة والزبير يقول: أنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم حينئذٍ: «لكل نبي حواريٌّ وحواريّ الزبير».
وفي «سير أعلام النبلاء» للذهبي عن يونس بن بُكَير عن هشام عن أبيه عن الزبير أنه قال: «أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: «لكل نبي حواريٌّ وحواريَّ الزبير وابن عمتي». وقد أخرجه ابن سعد في طبقاته وصححه الحاكم في مستدركه.
والحواريُّ في اللغة هو الناصر أو ناصر الأنبياء كما ذكر صاحب القاموس وقال مصعب الزُبيري: هو الخالص من كل شىء وقال الكلبي: الحواريُّ: الخليل.
وفي طبقات ابن سعد بالإسناد عن هشام بن عروة أن غلامًا مر بابن عمر فسئل من هو فقال: أنا ابن حَواريّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ابن عمر: إن كنتَ من ولد الزبير وإلا فلا فسئل ابن عمر: هل كان أحد يقال له حواريُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم غير الزبير؟ فقال: لا أعلمه.
وفاته
كانت وفاته رضي الله عنه يوم الجمل عند مُنْصَرَفه تائبًا من قتال أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكان ذلك سنة ست وثلاثين للهجرة.
وجاء في سبب مقتله في مستدرك الحاكم عن قيس بن أبي حازم قال: قال علي للزبير: «أما تذكر يوم كنت أنا وأنت في سقيفة قوم من الأنصار فقال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتُحبُّهُ» فقلت: ما يمنعني قال: «أما إنك ستخرج عليه وتقاتله وأنت ظالم».
قال: فرجع الزبير.
وقال صاحب «العقد الثمين»: «وكان الزبير رضي الله عنه قد انصرف عن القتال نادمًا».
وبعد انصرافه نادمًا عن معسكر معاوية بن أبي سفيان لحقه عمرو بن جُرموز فقتله في وادي السباع على سبعة فراسخ من البصرة وأخذ رأسه إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فاستأذن عليه فقال الإمام علي: بشروه بالنار، وفي رواية أخرى أنه قال: بشروا قاتل ابن صفية بالنار.
وقد روى الذهبي بالإسناد عن أبي جروٍ المازني أنه قال: شهدتُ عليًا والزبير حين توافقا، فقال علي: يا زبير، أنشدك الله، أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنك تقاتلني وأنت لي ظالم قال: نعم، ولم أذكره إلا في موقفي هذا، ثم انصرف؛ قال يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمـن بن أبي ليلى قال: انصرف الزبير يوم الجمل عن علي فلقيه ابنه عبد الله فقال: جُبنًا جُبنًا، فقال الزبير: قد علم الناس أني لست بجبان ولكن ذَكَّرنـي علـيٌّ شيئًا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحلفت أن لا أقاتله ثم قال:
ترك الأمور التي أخشى عواقبها في الله أحسن في الدنيا وفي الدينِ
وفي «الوافي بالوفيات» للصفدي أن ابن جرموز حين بَشَّره الإمام علي رضي الله عنه بالنار قال أبياتًا هي:
أتيت عليًا برأس الزبير وأرجو لديه من الزُّلفه
فبشَّر بالنار إذ جئتُهُ فبئس البشارةُ والتحفه
ولم يَدَع الزبير رضي الله عنه دينارًا ولا درهمًا، إلا أرضين بالغابة وأربع دُور بالمدينة والبصرة والكوفة ومصر، وكان عليه ديون سببها أن الرجل كان يجيء بالمال ليستودعه إياه فيقول له: لا ولكن هو سلف، إني أخشى عليه الضيعة. وقَدَّر ابنه عبد الله ما عليه من الدَين فبلغ ألفي ألف ومئتي ألف فباع أرضه التي بالغابة ونادى بالموسم أربع سنين: ألا من كان له على الزبير دين فليأتنا لنقضه فلما مضت السنون الأربع قَسَّم الأموال المتبقية بين الورثة.
واشتهر عن حسان بن ثابت أبيات قالها في الزبير هي:
أقام على عهد النبي وهديه حَواريُّهُ والقول بالفعل يُعدَلُ
أقام على منهاجه وطريقه يُوالي وليَّ الحق والحق أعدلُ
هو الفارس المشهور والبطل الذي يصول إذا ما كان يوم محجَّلُ
إذا كشفت عن ساقها الحرب حَشَّها بأبيض سباق إلى الموت يُرقِلُ
وإن امرءًا كانت صفية أمَّهُ ومن أسد في بيتها لمؤثّلُ
له من رسول الله قربى قريبة ومن نصرة الإسلام مجدٌ مؤثَّلُ
فكم كربة ذبَّ الزبير بسيفه عن المصطفى والله يُعطي ويُجْزِلُ
ثناوك خير من فَعالِ معاشر وفعلك يا ابن الهاشمية أفضلُ
رحم الله الزبير بن العوام صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.