ترجمته
هو الصحابي الجليل صهيب بن سنان الرومي بن مالك بن عبد عمرو بن عقيل ابن عامر بن جندلة بن جذيمة بن كعب بن سعد بن أسلم بن أوس مناة بن النمر ابن قابس بن هنب بن أقصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار الربعي النمري كذا نسبه الكلبي وأبو نعيم وكنيته «أبو يحيى» «ذكره في أسد الغابة».
كان أبوه حاكم الأُبلَّه وواليًا عليها لكسرى، وكان من العرب الذين نزحوا إلى العراق قبل بعثة سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلم بعهد طويل.
وذات يوم تعرضت البلاد لهجوم الروم، وأسر الروم أعدادًا كثيرة، وسبَوا «صهيب بن سنان» وأصبح مع تجار الرقيق، وانتهى إلى مكة المكرمة، حيث بيع لعبد الله بن جدعان، بعد أن أمضى طفولته كلّها وصدرًا من شبابه في بلاد الروم، حتى أخذ لسانهم ولهجتهم. وأعجب سيد «صهيب» بذكائه ونشاطه، فأعتقه وحرره وهيأ له فرصة الاتجار معه.
إسلامه
يقول سيدنا عمّار بن ياسر رضي الله عنه: لقيت صهيب بن سنان على باب دار الأرقم، ورسول الله فيها، فقلت له: ماذا تريد، فأجابني: وماذا تريد أنت، قلت له: أريد أن أدخل على محمد فأسمع ما يقول، قال: وإني أريد ذلك. فدخلنا على الرسول عليه الصلاة والسلام فعَرَض علينا الإسلام فأسلمنا، ثم مكثنا على ذلك حتى أمسينا، ثم خرجنا ونحن مستخفيان.
ويقول صهيب: «لم يشهد رسول الله مشهدًا قطُّ إلا كنت حاضِرَه ولم يبايع بَيْعَةً قط إلا كنت حاضرها، ولا غزا غزاةً أوّل الزمان وءاخره إلا وكنت فيها عن يمينه أو شماله، وما خاف المسلمون أمامهم قط إلا كنت أمامهم، ولا خافوا وراءهم إلا كنت وراءهم، وما جعلت رسول الله بيني وبين العدو».
هجرته إلى المدينة
لقد أحبّ سيدنا «صهيب» رضي الله عنه أن يهاجر، لكن المشركين أعاقوه عن الهجرة ووقع في بعض فخاخهم، بينما الرسول وأبو بكر هاجرا على بركة الله، حتى يسّر الله الأمر فامتطى ظهر ناقته، بَيْدَ أنّ قريشًا أرسلت قناصتها فأدركوه، ولم يكدْ صهيب يراهم ويواجههم من قريب حتى صاح فيهم، قائلا: «يا معشر قريش لقد علمتم أني من أرماكم رجلا وأيم الله لا تصلون إليَّ حتى أرمي بكل سهم معي في كنانتي ثم أضربكم بسيفي حتى لا يبقى في يدي منه شىء، فاقدموا إن شئتم، وإن شئتم دللتكم على مالي، وتتركوني وشأني»، فقبلوا أن يأخذوا ماله قائلين له: «أتيتنا صعلوكًا فقيرًا، فكثر مالك عندنا، وبلغت بيننا ما بلغت والآن تنطلق بنفسك ومالك»؟ فدلّهم على المكان الذي خبّأ فيه ثروته وتركوه وشأنه وقفلوا إلى مكة راجعين، والعجب أنهم صدّقوا قوله في غير شك وفي غير حذر، فلم يسألوه بينة، بل ولم يستحلفوه على صِدْقه.
وتابع «صهيب» هجرته حتى أدرك الرسول عليه الصلاة والسلام في قباء. كان الرسول جالسًا وحوله أصحابه حين أهلَّ عليهم صهيب، ولم يكد الرسول يراه حتى ناداه متهللا: «ربح البيعُ أبا يحيى ربح البيع أبا يحيى» وعندها نزلت الآية الكريمة ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالعِبَادِ﴾ (سورة البقرة/ءاية 257).
وفـاته
رحل سيدنا صهيب رضي الله عنه من دنيا غرارة خائنة إلى دار البقاء، راضيًا مرضيًا بعد حياة ملؤها التقوى والورع والجهاد والإنفاق في سبيل الله، وإطعام الطعام وفعل الخيرات وترك المنكرات، ليحيا في جنة عرضها السمـٰوات والأرض أعدت لعباد الله المؤمنين بإذن الله رب العالمين.