ترجمته
هو أويس بن عامر بن جَزء بن مالك بن عمرو بن سعد بن عَصْوان بن قَرَن بن ردمان بن ناجية بن مُراد، وهو يُحابر بن مالك بن أُدَد.
وقال الجوهري في صحاحه إن أويسًا القَرَني منسوب إلى قَرَن وهي ميقات أهل نجد وموضعها في الطائف، أما مجد الدين الفيروزأبادي في «القاموس المحيط» فقد خطَّأ الجوهري في نسبة أويس إلى هذه القرية فقال ما نصه: «وهي قرية عند الطائف، أو اسم الوادي كله، وغلط الجوهري في تحريكه وفي نسبة أويس القرني إليه؛ لأنه منسوب إلى قَرَن بن ردمان بن ناجية بن مُراد، أحد أجداده».
ولم تذكر المراجع سنة ولادته، ولكن ما علم من ترجمته أنه أدرك حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه لم يلتقه؛ ولذلك عُدَّ من التابعين وليس في الصحابة لأن من شروط الصحابي أن يلتقي النبي صلى الله عليه وسلم. ونقل الذهبي في سيره عن أصبغ بن زيد أنه قال: إنما منع أُويسًا أن يقدم على النبي صلى الله عليه وسلم برُّه بأمه.
وذكر الذهبي أيضًا أنه روى عن عمر بن الخطاب القلـيل وعن علي ابن أبي طالب أيضًا. وروى عنه يُسَير بن عمــرو وعبد الرحمـٰن بن أبي ليلى، وأبو عبد رب الدمشقي وغيرهم روايات يسيرة، ولم يَرْوِ شيئًا مُسْندًا ولا كان من رجال الحديث.
مناقبه
إن ما ذُكِرَ في الأحاديث التي صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من شأن أويس بن عامر أو أويس القرني، لدليل واضح على صدق هذا النبي العظيم الذي لا ينطق عن الهوى، فقد روى ابن سعد في طبقاته عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يأتي عليكم أويس بن عامر من مُراد ثم من قَرَن، كان به بَرَص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بَرٌّ، لو أقسم على الله لأبرَّه، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل». وأما رواية ابن حجر العسقلاني في «لسان الميزان» عن حماد بن سلمة عن الجريري عن أبي نضرة عن أُسَير بن جابر عن عمر بن الخطاب فهي: «إن خير التابعين رجل يقال له أويس بن عامر، كان به بياض فدعا الله فأذهبه عنه إلا موضع الدرهم في سرته»، روى هذا الحديث مسلم في صحيحه وروى لفظًا ءاخر فيه زيادة: «فمن لقيه منكم فمروه فليستغفر لكم».
وأخرج مسلم أيضًا من حديث معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن زرارة، عن أُسَير بن جابر، فذكر اجتماع عمر رضي الله عنه بأويس وفيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يأتي عليكم أويس القَرَني مع أمداد من اليمن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بارٌّ، لو أقسم على الله لأبَرَّه، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل». فاستغفر لي، فاستغفر له.
وأما أحمد بن حنبل فقد أخرج في مسنده عن أبي نعيم عن شريك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن من خير التابعين أويسًا القَرَني».
لقد كان أويس القرني رضي الله عنه رجلاً من الصالحين الأتقياء الذين استعدوا للآخرة فتزودوا بصالح الأعمال، وكان من أشهر خصاله التي تبينت لنا من خلال الأحاديث الشريفة أنه كان بارًا بأمه محسنًا إليها، فقد روى ابن سعد في طبقاته بالإسناد إلى أُسير بن جابر أنه قال: كان عمر بن الخطاب إذا أتت عليه أمداد اليمن سألهم: أفيكم أويس بن عامر حتى أتى على أويس فقال: أنت أويس بن عامر قال: نعم، قال: من مُراد ثم من قَرَن قال: نعم، قال: كان بك بَرَص فبرأت منه إلا موضع درهم قال: نعم، قال: فلك والدة قال: نعم، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يأتي عليكم أويس بن عامر من مُراد ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بَرٌّ، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل» فاستغفره لي، فاستغفر أويس له. قال: أين تريد قال: الكوفة، قال ألا أكتب لك إلى عاملها فيستوصي بك قال: لا، أكون في غُبَّر الناس أحَبُّ إليَّ.
أما رواية الذهبي في «سير أعلام النبلاء» ففيها أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال له: أنت الذي خرج بك وَضَحٌ فدعوت الله أن يذهبه عنك فأذهبه، فقلت اللهم دع لي في جسدي منه ما أذكر به نعمتك علي، فترك لك في جسدك ما تذكر به نعمة الله؟ قال: وما أدراك يا أمير المؤمنين فوالله ما اطلع على هذا بشر، قال: «أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنه سيكون في التابعين رجل من قَرَن يقال له أويس بن عامر يخرج به وَضَح فيدعو الله أن يذهبه عنه فيذهبه فيقول: اللهم دع لي في جسدي ما أذكر به نعمتك علي، فيدع له ما يذكر به نعمه عليه، فمن أدركه منكم فاستطاع أن يستغفر له فليستغفر له».
وفي حلية الأولياء ذكره الحافظ أبو نعيم فقال: «فمن الطبقة الأولى من التابعين سيد العُباد، وعلم الأصفياء الزهاد، أويس بن عامر القرني، بشر النبي صلى الله عليه وسلم به وأوصى به» إلى أن قـال في الترجمة روايـة عـن مخــلد بـن يــزيد عـن نــوفل بن عبد الله أنهم قالوا: يا رسول الله وما أويس؟، قال: «أشهل ذو صهوبة، بعيد ما بين المنكبين، معتدل القامة، ءادم شديد الأدمة، ضارب بذقنه على صدره، رام ببصره إلى موضع سجوده، واضع يمينه على شماله، يتلو القرءان، يبكي على نفسه، ذو طمرين، لا يؤبه له، يَتّزرُ بإزار صوف ورداء صوف، مجهول في أهل الأرض معروف في السماء، لو أقسم على الله لأبره، ألا وإن تحت منكبه الأيسر لمعة بيضاء، ألا وإنه إذا كان يوم القيامة قيل للعُبّاد: ادخلوا الجنة، ويقال لأويس: قف فاشفع، فيشفّعه الله في مثل عدد ربيعة ومضر. يا عمر و يا علي إذا رأيتماه فاطلبا إليه يستغفر لكما، يغفر الله لكما». فمكث عمر وعلي رضي الله عنهما عشر سنين لا يقدران عليه حتى التقاه عمر رضي الله عنه.
وفي «لسان الميزان» للعسقلاني عن أسير بن جابر أنه قال: كان محدّثٌ في الكوفة، فإذا فرغ تفرقوا، ويبقى رهط فيهم رجل يتكلم بكلام لا أسمع أحدًا يتكلم به، ففقدته فسألت عنه فقال رجل: ذاك أويس القرني، قلت: أتعرف منزله قال: نعم، قال أُسير: فانطلقت معه حتى جئت حجرته، فخرج إليَّ فقلت: يا أخي ما حبسك عنا قال: العُرْي، وكان أصحابه يسخرون به.
وروى يحيى بن سعيد القطان الحمصي عن يزيد بن عطاء الواسطي عن علقمة ابن مرثد أنه قال: انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين : عامر بن عبد قيس وأويس بن عامر وهرم بن حيان والربيع بن خثيم، وأبي مسلم الخولاني ومسروق والحسن.
وروى العسقلاني في «لسان الميزان» أيضًا عن أبي صالح عن الليث عن المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«ليشفعن رجل من أمتي في أكثر من مضر» قال أبو بكر: يا رسول الله إن تميمًا من مضر، قال: «ليشفعن رجل من أمتي لأكثر من تميم ومضر، وإنه أويس القرني».
ومن الأحاديث التي رواها أبو نُعيم في «حلية الأولياء» روايته عن عبد الله بن الأشعث بن سوّار، عن محارب بن دثار أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن من أمتي من لا يستطيع أن يأتي مسجده أو مصلاه من العُرْي، يحجزه إيمانه أن يسأل الناس، منهم أويس القرني وفرات بن حيان».
وفي كتاب «ثقاة التابعين» ذكره ابن حبان وقال فيه: أويس بن عامر القَرَني من اليمن من مُراد، سكن الكوفة وكان زاهدًا عابدًا، يروي عن عمر.
وعن أبي زرعة الرازي أن أويسًا القرني كان إذا أمسى يقول: هذه ليلة الركوع، فيركع حتى يصبح، وكان إذا أمسى يقول: هذه ليلة السجود، فيسجد حتى يصبح. وكان إذا أمسى تصدَّق بما في بيته من الفضل من الطعام والشراب ثم قال: اللهم مَنْ مات جوعًا فلا تؤاخذني به، ومن مات عُريًا فلا تؤاخذني به.
أقواله ومواعظه
روى أبو نعيم في «حلية الأولياء» أن الشَّعبي قال: مر رجل من مراد على أويس القرني فقال: كيف أصبحت قال: أصبحت أحمد الله عز وجل، فقال: كيف الزمان عليك قال: كيف الزمان على رجل إن أصبح ظن أنه لا يُمسي، وإن أمسى ظن أنه لا يصبح، فمبشَّرٌ بالجنة أو مبشر بالنار. يا أخا مراد، إن الموت وذكرَهُ لم يترك لمؤمن فرحًا، وإن علمه بحقوق الله لم يترك له في ماله فضة ولا ذهبًا، وإن قيامه لله بالحق لم يترك له صديقًا.
وفي طبقات ابن سعد زيادة على هذه الحادثة وهي أنه قال: والله إنا لنأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر فيتخذوننا أعداءً ويجدون على ذلك من الفساق أعوانًا، حتى والله لقد رموني بالعظائم. وايم الله لا يمنعني ذلك أن أقوم بالحق.
وفاتـه
تضاربت الأقوال في مكان وفاته فمنهم من قال إنه مات على جبل أبي قبيس بمكة، ومنهم من يزعم أنه مات بدمشق ومنهم من زعم أنه توفي بالحيرة ومنهم من قال إنه قتل يوم صفين في رجال علي رضي الله عنه؛ ففي «سير أعلام النبلاء» للذهبي أنه لما فشا أمر أويس بعد لقائه بعمر بن الخطاب رضي الله عنه، هرب ولم يعد يُعلم عنه شىء حتى عاد في خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقاتل معه واستشهد في صفين، قال الذهبي: فنظروا، فإذا عليه نيف وأربعون جراحة. وفي مستدرك الحاكم أيضًا ما يقوي أنه استشهد في صفين، فقد روي عن أصبغ بن نباتة أنه قال: شهدت عليًا يوم صفين يقول: من يبايعني على الموت فبايعه تسعة وتسعون فقال: أين التمام؟، فجاء رجل على أطمار صوف، محلوق الرأس، فبايع، فقيل: هذا أويس القرني، فما زال يحارب بين يديه حتى قُتل.
وذكر الذهبي عن أبي ليلى أنه قال: فوُجد في قتلى صفين. وأغلب الأقوال على هذا، أي على أنه توفي في صفين في جيش علي بن أبي طالب. وإذا كان الأمر كذلك فإن موقعة صفين كانت في صفر من سنة سبع وثلاثين للهجرة. وقبره الآن معروف في محافظة الرقة في سورية، يزار ويستجاب الدعاء عنده.
رحم الله أويسا وجمعنا معه في الجنة ءامين.