إذا أردتم طباعة هذا الملف فاحرصوا أن لا تلقوا الورقة في أماكن مستقذرة لوجود أسماء مُعَظّمة عليها
بيان أنَّ الله لم يخلق شيئًا عبثًا-وقيام الساعة والانتقام من الكفار والسبع المثاني
الحمدُ لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن صلوات الله البَرِّ الرحيم والملائكة الْمُقرَّبين على سيدنا محمد أشرف المرسلين وحبيبِ رب العالمين وعلى جميع إخوانه من النبيين والمرسلين وءال كُلٍّ والصالحين
وسلامُ الله عليهم أجمعين
يقولُ الله تباركَ وتعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمٰوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ {85} إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ {86} وَلَقَدْ ءاتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْءانَ الْعَظِيمَ {87} لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ {88} وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ {89}﴾[1].
إنَّ اللهَ سبحانهُ وتعالى يُخبِرُ نبيَّهُ أنه لَم يخلق السَّمٰواتِ والأرضَ وما بينَهُما عبثًا، إذ لَم يخلق اللهُ شيئًا عبثًا لغيرِ حِكمَة وإنما خلقَها خلقًا مُلتَبِسًا بالحقّ، أو بسبَبِ العَدلِ والإنصَافِ يومَ الجزاءِ على الأعمَال. وأخبرَنا بأنَّ ﴿السَّاعَةَ﴾ أي القيامَةَ ﴿لآتِيَةٌ﴾ وسُمّيت بذلكَ لتوقُّعِها كلَّ ساعة، وفيها ينتقِمُ الله لنبيِّهِ مِنْ أعدائِهِ ويُجازِي المؤمنينَ على حسناتِهِم والكافرينَ على سيّئاتِهِم، فإنه ما خَلَقَ السَّمٰواتِ والأرضَ وما بينهُما إلا لذلك. ﴿فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾ أي أعرِض عنهم إعراضًا جميلاً بحِلمٍ وإغضاء، ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ﴾ الذي خلقَكَ وخلَقَهُم ﴿الْعَلِيمُ﴾ بحالِكَ وحالِهم فلا يخفَى عليهِ ما يجري بينكُم وهو يحكُمُ بينكُم.
﴿وَلَقَدْ ءاتَيْنَاكَ سَبْعًا﴾ أي سبعَ ءاياتٍ وهي الفاتِحة، أو سبعَ سُوَرٍ وهي الطِّوال ﴿مِّنَ الْمَثَانِي﴾ هي مِنَ التثنِيةِ وهي التكرِير لأنَّ الفاتِحةَ مما يتكرَّرُ في الصَّلاة، أو مِنَ الثناءِ لاشتمالِها على ما هو ثناءٌ على الله، وأما السّورُ أو الأسبَاعُ فلِمَا وقَعَ فيها مِنْ تكريرِ القَصَصِ والمواعِظِ والوَعدِ والوعيد ولِما فيها مِنَ الثناءِ كأنها تُثنِي على الله، ﴿وَالْقُرْءانَ الْعَظِيمَ﴾ أي ولقد ءاتيناكَ ما يقالُ له السَّبعُ المثاني ويقالُ له القرءانُ العظيم أي الجامِعُ لهذينِ النعتَين.
ثم قالَ لرسولِهِ: ﴿لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ﴾ أي لا تطمَح ببَصَرِكَ طُموحَ راغِبٍ فيه مُتَمَنٍّ له إلى ما متَّعنا به أصنافًا مِنَ الكفَّارِ كاليهودِ والمجوسِ يعنِي قد أوتيتَ النعمةَ العُظمى التي كلُّ نِعمةٍ وإن عظُمَت فهي إليها حقيرة وهي القرءانُ العظيم، فعليكَ أن تستغنِيَ به ولا تَمُدَّنَّ عينيكَ إلى مَتاعِ الدُّنيا، وفي حديثِ أبي بكرٍ: ((مَنْ أوتِي القرءانَ فرأى أنَّ أحدًا أوتِيَ مِنَ الدُّنيا أفضَلَ مِما أوتي فقد صغَّرَ عظيمًا وعظَّمَ صغيرًا)). ﴿وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾ أي لا تتمَنَّ أموالَهُم ولا تَحزَن عليهم أنهم لَم يؤمنوا فيتقوّى بِمكانِهِم الإسلامُ والمسلمون. ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ أي تواضَع لِمَن معَكَ مِنْ فقراءِ المؤمنين وطِبْ نفسًا عن إيمانِ الأغنياء وقل لَهم: ﴿إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ﴾ أُنذِرُكُم بِبَيانٍ وبُرهانٍ أنَّ عذابَ اللهِ نازِلٌ بكُم.
ربنا اغفر لنا وارحمنا واهدِنا وعافنا واعفُ عنا واجعلنا من أوليائكِ
وأهل طاعتِكَ الصِّديقينَ المحسنين
[1] – سورة الحجر.