إذا أردتم طباعة هذا الملف فاحرصوا أن لا تلقوا الورقة في أماكن مستقذرة لوجود أسماء مُعَظّمة عليها
البروج وحِفظُ السماء من الشياطين – والجبال والمطر
الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمين لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهَ الْفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الحَسَن صَلَوَاتُ اللَّهِ البَرِّ الرَّحيم وَالملائِكَةِ المُقَرَّبين عَلى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ أشْرَفِ الْمُرْسَلين وَحَبيبِ رَبِّ العَالَمين وَعَلَى جَميعِ إخْوَانِهِ مِنَ النَّبيينَ وَالمُرْسَلين وَءَالِ كُلٍّ وَالصَّالِحين وَسَلامُ اللهِ عَلَيْهِم أجْمَعين
يقولُ الله تبارك وتعالى: ﴿وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ {16} وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ {17} إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ {18} وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَىْءٍ مَّوْزُونٍ {19} وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ {20} وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ {21} وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ {22}﴾[1].
أخبرنا اللهُ سبحانهُ وتعالى بأنه خَلَقَ في السَّـماءِ ﴿بُرُوجًا﴾ أي نجومًا، وهي اثنا عشَرَ بُرجًا كلُّ بُرجٍ عِبارَةٌ عن مَجموعةٍ مِنَ النُّجومِ وهي: الحَمْلُ والعقرَبُ والثَّورُ والميزان والجوزاءُ والسُّنبُلَةُ والسَّرطانُ والأسدُ والقوسُ والحوتُ والجَدْيُ والدّلو. أو هي منازِلُ الكواكبِ السَّبعةِ السيّارة وللشمسِ بيتٌ وللقمرِ بيتٌ؛ فالحَمْلُ والعقرَبُ بيتَا المَرّيخ، والثورُ والميزانُ بيتَا الزُّهرَةِ، والجَوزاءُ والسُّنبلَةُ بيتَا عُطارِد، والسَّرَطانُ بيتُ القمَر، والأسدُ بيتُ الشَّمس، والقوسُ والحوتُ بيتَا المشتري، والجَديُ والدّلوُ بيتَا زُحَل. سُمّيتِ المنازِلُ بالبروج التي هي القصورُ العاليةُ لأنها لِهذه الكواكبِ كالمنازِلِ لسُكَّانِها، وقالَ الحسَنُ وقَتادَة ومُجاهِدٌ: ((البروجُ هي النّجومُ الكِبارُ لظهورِها)). ﴿وَزَيَّنَّاهَا ﴾ أي السَّماءَ ﴿ لِلنَّاظِرِينَ﴾.
﴿وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ﴾ أي ملعون، ﴿إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ﴾ نَجمٌ يَنقُضُ فيعود، ﴿مُّبِينٌ﴾ ظاهِرٌ للمُبصِرين، وذلك أنهم طلَبوا بلوغَ السَّماءِ والاستماعَ إلى كلامِ الملائكِةِ الذينَ فيها فوجدوها مُلأَت حرَسًا شديدًا جَمعًا من الملائكةِ أقوياءَ يحرسون، وشُهُبًا أي كواكِبَ مُضيئة وكانوا قبلَ ذلك يقعدونَ مِنَ السَّماءِ مقاعِدَ لاستماعِ أخبارِ السَّماءِ، لأنهم كانوا يجِدونَ بعضَ السَّمَاءِ خاليةً مِنَ الحرَسِ والشُّهُبِ قبلَ بِعثَةِ النبِيّ صلى الله عليه وسلم أما بعدَ بِعثَتِهِ يَجدونَ الملائِكةَ راصدِينَ لَهم بالشُّهب يَرجُمونَهم بِها ويَمنعونَهم مِنَ الاستماعِ لكنَّ بعضَ الشَّياطين يتكلّفون وبعضٌ لا يفعلون خوفًا مِنْ أن يُصابوا، والذينَ يتكلَّفونَ يُصابونَ وبعضهُم يَبقَوْنَ أحياءَ فيُخبرونَ الكُهّانَ بِما سَمِعوا. روى البخاريُّ ومسلمٌ مِنْ حديثِ عائشةَ رضي الله عنها قالت: سألَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنـاسٌ عنِ الكُهّان فقالَ: ((ليسُوا بشىء)) فقالوا: يا رسولَ اللهِ إنهم يُحَدّثونَنا أحيانـًا بشىءٍ فيكونُ حقًّا، فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((تلكَ الكلِمَةُ مِنَ الحقِّ يَخطَفُها الجِنيُّ فيقرُّها[2] في أُذِنِ وليِّهِ فيَخلِطونَ معها مائَةَ كَذْبَة)) وفي روايةٍ للبخاريّ عن عائشَةَ رضيَ الله عنها أنها سَمِعَت رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنّ الملائكةَ تنْزِلُ في العَنان[3] فتذكُرُ الأمرَ قُضِيَ في السّماءِ فيسترقُ الشّيطانُ السَّمعَ فيسمَعُهُ فيوحيهِ إلى الكُهّانِ فيكذبونَ معها مائةَ كَذبَةٍ مِنْ عندِ أنفُسِهِم)) والكاهِنُ هو الذي يتعاطى الإخبارَ عنِ الكائناتِ في المستقبل.
يقولُ اللهُ تعالى: ﴿وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا﴾ أي بسَطْناها، والْجمهورُ على أنه تعالى مَدَّها على وجهِ الماء، ﴿وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ﴾ أي جبالاً ثوَابِتَ مُثَبِّتَاتٍ للأرض، ﴿وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَىْءٍ مَّوْزُونٍ﴾ وُزِنَ بِميزانِ الحِكمةِ وقُدِّرَ بِمقدارٍ تقتضيهِ لا تصلُحُ فيهِ زيادَةٌ ولا نُقصان، أو له وزنٌ وقدْرٌ في أبوابِ المنفعةِ والنّعمة.
﴿وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ﴾ أي ما يُعاشُ به مِنَ المطاعِم ﴿وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ﴾ أي وجعلنا فيها معايشَ لِمَنْ: ﴿لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ﴾ وهم العِيالُ والمماليكُ والخَدَمُ والأنعَامُ والدّوابُّ ونحو ذلك.
وأخبرَنا سبحانه وتعالى أنه ما مِنْ شىءٍ يَنتفِعُ به العِباد إلا وهو قادِرٌ على إيجادِهِ وتكوينِهِ والإنعَامِ به، وأنه لا يُعطيهِ إلا بِمقدارٍ معلوم، فضربَ الخزائنَ مثلاً لاقتدارِهِ على كلِّ مقدور فهو القادِرُ على كلِّ شىءٍ الذي لا يُعجِزُهُ شىء.
وأخبرَنا سبحانه بأنه أرسَلَ الرّياحَ حوامِلَ بالسَّحاب لأنها تَحمِلُ السَّحابَ في جوفِها كأنها لاقِحَةٌ بها، وأنه أنزَلَ لنا ﴿مِنَ السَّمَاء مَاءً﴾ فجعلَهُ لنا سُقيا، وقال: ﴿وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ﴾ نفَى عنهم ما أثبتَهُ لنفسِهِ في قولِهِ: ﴿وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ﴾ كأنه قال: نحنُ الخازِنونَ للماءِ على معنى نحنُ القادرونَ على خَلقِهِ في السّماء وإنزالِهِ منها وما أنتم عليه بِقَادِرين، وفيه دِلالَةٌ عظيمةٌ على قدرتِهِ وعَجزِهِم فسبحانَ الله القديرِ على كلِّ شىء الذي لا يحتاجُ إلى مُعِينٍ ولا وزير.
ربنا اغفر لنا وللمؤمنينَ والمؤمنات وأصلِح لنا شأننا كُلَّهُ ولا تكلنا إلى أنفُسِنا طَرفةَ عين
وأكرمنا برؤيةِ نبيك محمّدٍ عليه الصَّلاة والسلام يا أرحم الراحمين
والحمد لله رب العالمين
[1] – سورة الحِجر.
[2] – فيقرُّها أي يُلقيها.
[3] – وهو السَّحاب.