إذا أردتم طباعة هذا الملف فاحرصوا أن لا تلقوا الورقة في أماكن مستقذرة لوجود أسماء مُعَظّمة عليها
الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة
الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمين لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهَ الْفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الحَسَن صَلَوَاتُ اللَّهِ البَرِّ الرَّحيم وَالملائِكَةِ المُقَرَّبين عَلى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ أشْرَفِ الْمُرْسَلين وَخَاتَمِ النَّبِيين وَحَبيبِ رَبِّ العَالَمين وَعَلَى جَميعِ إخْوَانِهِ مِنَ النَّبيينَ وَالمُرْسَلين وَءَالِ كُلٍّ وَالصَّالِحين وَسَلامُ اللهِ عَلَيْهِم أجْمَعين
يقولُ الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء {24} تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ {25} وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ {26} يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاء {27}﴾[1].
لقد جعلَ اللهُ الكلمةَ الطيبةَ مَثَلاً للشجَرةِ الطيبةِ التِي أصلُها ثابتٌ فِي الأرضِ ضارِبٌ بعُروقِهِ فيها وَفَرعُها أي رأسُها وأعلاهَا فِي السماء، والكَلِمَةُ الطيبةُ هي كلِمَةُ التوحيد كلمةُ لا إلـٰه إلا الله أصلُها تصديقٌ بالجَنان وفرعُها إقرارٌ باللّسان وأُكُلُها عمَلٌ بالأركان، والتوحيد كما قال الإمام الجنيد: إفراد القديم من المحدث، أي تنزيه الله الأزليّ الذي لاابتداء لوجوده عن مشابهة المحدث المخلوق وهو هذا العالم. وكما أنَّ الشجرةَ شجرةٌ وإن لَم تكن حامِلاً، فالمؤمنُ مؤمنٌ وإن لَم يكن عامِلاً، ولكنَّ الأشجارُ لا تُرادُ إلا للثِّمار فما أقواتُ النارِ إلا مِنَ الأشجار إذا اعتادَتِ الإخفار في عهدِ الإثمار، والشجرةُ كلُّ شجرةٍ مُثمرَةٍ طيبةِ الثِّمار كالنخلةِ وشجرةِ التينِ ونَحوِ ذلك والجمهورُ على أنها النخلة، فعنِ ابنِ عمرَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال ذاتَ يومٍ: ((إنَّ اللهَ تعالى ضربَ مثلَ المؤمِنِ شجرةً فأخبرونِي ما هي)) فوقعَ الناسُ فِي شجرِ البوادي وكنتُ صبيًّا فوقعَ فِي قلبِي أنها النخلة فهِبتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ أقولَها وأنا أصغَرُ القوم، فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((ألا إنها النّخلة))[2] فقالَ عمرُ: يا بنَيَّ لو كنتَ قُلتَها لكانت أحبَّ إلَيَّ مِنْ حُمْرِ النَّعَم أي الإبلِ الحُمُر لأنَّ لها اعتبارًا كبيرًا عندَ العرب.
﴿تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ﴾ أي تُعطي ثَمرَها كلَّ وقتٍّ وقَّتَهُ الله لإثْمارِها ﴿بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾ أي بتيسيرِ خالِقها وتكوِينهِ ﴿وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون﴾ لأنَّ في ضَرَبِ الأمثالِ زيادَةُ إفهَامٍ وتذكيرٍ وتصويرٍ للمعاني.
﴿وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ﴾ وهي كلمةُ الكفرِ ﴿كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ﴾ وهي كلُّ شجرةٍ لا يَطِيبُ ثَمَرُها وفِي الحديثِ أنها شجرةُ الحَنظل، ﴿اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ﴾ أي استؤصِلَت جُثَّتُها، وحقيقةُ الاجتِثَاثِ أخذُ الجُثَّةِ كلِّها، ﴿مَا لَهَا مِن قَرَار﴾ أي استقرار.
ثم أخبرنا اللهُ سبحانه بأنه يُثَبِّتُ الذين ءامنوا فقال ﴿يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ أي يُديمُهم عليه بالقول الثابت في الحياة الدنيا، وهو قولُ لا إلـٰه إلا الله محمّدٌ رسولُ الله حتّى إذا فُتِنوا فِي دينِهم لَم يَزِلّوا، كما ثبَّتَ الذين أرادَ أصحابُ الأخدودِ فِتنَتَهم فلم يُفتَنوا، ﴿وَفِي الآخِرَةِ﴾ يُثبِّتُهُم كذلك أي يُثبّتهُم فِي قبورِهم بتلقين الجوابِ وتمكينِ الصواب، فعنِ البراءِ بنِ عازبٍ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ذكرَ قبضَ روحِ المؤمنِ فقال: ((ثم تُعادُ روحُهُ في جسدِهِ فيأتيهِ ملَكان فيُجلسانِهِ في قبرِهِ فيقولانِ له: مَنْ ربُّك وما دينُك ومَنْ نبيُّك، فيقولُ ربّيَ اللهُ ودينِيَ الإسلامُ ونَبِيِّيَ محمّدٌ صلى الله عليه وسلم فيُنادي منادٍ مِنَ السَّماء أنْ صدقَ عبدِي فذلك قولُه: ﴿يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ﴾ ثم يقولُ الملكان عِشتَ سعيدًا ومُتَّ حَميدًا نَم نومةَ العروس))[3].
﴿وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ﴾ فلا يُثَبِّتُهُم على القولِ الثّابت في مواقفِ الفِتَن وتَزِلُّ أقدامُهم أوَّلَ شىء وهم في الآخرةِ أضَلُّ وأزلّ، ﴿وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاء﴾ فلا اعتراضَ عليهِ في تثبيتِ المؤمنين وإضلالِ الظالمين وهو الحَكَمُ العدلُ الذي لا يُسئلُ عمّا يفعل وهم يسألون. ا.هـ
نسألُ الله العِصمةَ والسلامةَ من الفِتَن وأن يثبتنا على دينِ الإسلام
وأن يجعلنا من عبادِهِ المَرْضيين إنه على كلِ شىءٍ قدير
[1] – سورة إبراهيم.
[2] – رواهُ البخاريُّ ومسلم.
[3] – رواه أبو داودَ والحاكم.