إذا أردتم طباعة هذا الملف فاحرصوا أن لا تلقوا الورقة في أماكن مستقذرة لوجود أسماء مُعَظّمة عليها
تهديدُ مَنْ كفَر وسجودُ الأظِلّة
الحمدُ لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن صلوات الله البَرِّ الرحيم والملائكة الْمُقرَّبين
على سيدنا محمد أشرف المرسلين وحبيبِ رب العالمين
وعلى جميع إخوانه من النبيين والمرسلين وءال كُلٍّ والصالحين
وسلامُ الله عليهم أجمعين
يقولُ الله تبارك وتعالى: ﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ {45} أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ {46} أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ {47} أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إِلَى مَا خَلَقَ اللهُ مِن شَىْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَآئِلِ سُجَّدًا للهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ {48} وَللهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمٰوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ {49} يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (سجدة) {50}﴾[1].
إنَّ اللهَ سبحانَهُ وتعالى يُحذِّرُ أهلَ مكَّةَ الذينَ مكروا برسولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ أن يَخسِفَ بهم الأرض كما فعلَ بِمَن تقدَّمَهم، أو أن يأتيَهُم بالعذابِ بَغتَةً مِنْ حيثُ لا يشعرون أو أن يأخُذَهُم ﴿فِي تَقَلُّبِهِمْ﴾ أي وهم مُتقلّبونَ في مَسايرِهِم ومَتاجِرِهم، أو أن يأخُذَهم ﴿عَلَى تَخَوُّفٍ﴾ أي متخوّفين، أو أن يُهلِكَ قومًا قبلَهُم فيتخوّفوا فيأخُذُهُم العذابُ وهم مُتَخَوّفون مُتوقّعونَ للعذاب. وأخبرَ سبحانه بأنه قادرٌ على أن يُصيبَهم بذلك وأنه لا يُعجِزُهُ شىء، وأخبرَ سبحانه بأنهُ رؤوفٌ رحيم لا يُعاجِلُهم بالعذابِ مع استِحقاقِهم له، والمعنَى أنه إذا لَم يأخُذكمُ العذابُ مع ما فيكم فإنما رأفتُهُ تَقِيكُم ورحمتُهُ تَحميكُم.
﴿أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إِلَى مَا خَلَقَ اللهُ مِن شَىْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ﴾ أي يَرجِعُ مِنْ موضِعٍ إلى موضع، ﴿عَنِ الْيَمِينِ﴾ أي الأيْمَان ﴿وَالْشَّمَآئِلِ﴾ جَمعُ شِمَال ﴿سُجَّدًا للهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ﴾ أي صاغِرون، عن مُجاهِدٍ: ((إذا زالَتِ الشَّمسُ سجدَ كلُّ شىء)). والمعنى: أوَ لَم يروا إلى ما خَلَقَ اللهُ مِنَ الأجرام التِي لَها ظِلالٌ مُتَفيّئةٌ عن أيْمانها وشَمائِلها أي ترجِعُ الظّلالُ مِنْ جانبٍ إلى جانبٍ مُنقادَةً لله تعالى غيرَ مُمتَنِعةٍ عليه فيما سخّرَها له مِنَ التفيّؤ، والأجرامُ في أنفُسِها داخِرَةٌ أيضًا صاغِرَةٌ مُنقادَةٌ لأفعالِ اللهِ فيها غيرُ مُمتَنِعة.
﴿وَللهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمٰوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ﴾ لأنَّ في السّمٰواتِ خلقًا يَدِبُّونَ فيها كما تَدِبُّ الأناسِيُّ في الأرض، ﴿وَالْمَلآئِكَةُ﴾ أي ملائكةُ الأرضِ مِنَ الحَفَظةِ وغيرهِم ﴿وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ أي لا يستكبرونَ خائفين.
﴿يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ﴾ أي يخافونَ ربَّهُم غالبـًا لَهم قاهِرًا فهي فوقيَّةُ القَهرِ والغلَبَة لا فوقيـَّةَ المكان، تنزَّهَ ربُّنا أن يكونَ له مكان، لا يحويهِ مكانٌ سبحانَهُ لأنه ليسَ جِسمًا، وهو سبحانَه وتعالى لا يَمَسُّ ولا يُمَسّ، يقولُ الإمامُ أبو جعفَرٍ الطَّحَاوِيّ: ((لا تُحيطُ به الجِهاتُ السِّتُّ كسائرِ المُبتدَعات[2]))، أو المعنى يخافونَهُ أن يُرسِلَ عليهم عذابًا مِنْ فوقِهِم.
﴿وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ وفيهِ دليلٌ على أنَّ الملائكةَ مُكلَّفونَ مُدارُونَ على الأمرِ والنهي وأنهم بينَ الخوفِ والرَّجاء.
ربنا ءاتنا في الدّنيا حسنة في الآخرةِ حسنة وقنا عذاب النار
اللهم رحمتَكَ نرجوا فلا تَكِلنا إلى أنفُسِنا طرفةَ عين وأصلح لنا شأننا كلّه
لا إلـٰه إلا أنت واغفر لنا يا أرحم الراحمين
[1] – سورة النحل.
[2] – أي المخلوقات.