إذا أردتم طباعة هذا الملف فاحرصوا أن لا تلقوا الورقة في أماكن مستقذرة لوجود أسماء مُعَظّمة عليها
بيان معنى المشيئة
وما جاء في البرق والرعد والصواعق والسحاب
الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمين لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهَ الْفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الحَسَن صَلَوَاتُ اللَّهِ البَرِّ الرَّحيم وَالملائِكَةِ المُقَرَّبين
عَلى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ أشْرَفِ الْمُرْسَلين وَخَاتَمِ النَّبِيين وَحَبيبِ رَبِّ العَالَمين
وَعَلَى جَميعِ إخْوَانِهِ مِنَ النَّبيينَ وَالمُرْسَلين وَءَالِ كُلٍّ وَالصَّالِحين
وَسَلامُ اللهِ عَلَيْهِم أجْمَعين
يقولُ الله تبارَك وتعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ {11} هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِىءُ السَّحَابَ الثِّقَالَ {12} وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ {13}﴾[1].
إنَّ اللهَ تباركَ وتعالى مُتَّصِفٌ بِمشيئةٍ أزليَّةٍ أبديةٍ كسائرِ صفاتِهِ لا تتغيّرُ ولا تتبدَّل، ومعنَى قولِهِ سبحانه: ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ أي أنه سبحانَهُ لا يُغيّرُ ما بِهم مِنَ العافيةِ والنِعمَةِ حتى يُغيّروا ما بأنفُسِهم مِنَ الحالِ الجميلَةِ بطاعَةِ الله إلى الحالِ السّيئةِ بِكثرَةِ المعاصي وهذا ليسَ باعتبارِ الأفراد بل باعتبارِ الأقوَام، أما باعتبارِ الأفراد فقد يُغيّرُ حالَ العبدِ مِنَ الرخاءِ إلى المجاعَة ومِنَ الرَّاحَةِ إلى التَّعبِ كما يدلُّ على ذلكَ قولُهُ عليهِ السَّلام: ((أشدُّ الناسِ بلاءً الأنبياء ثُمَّ الأمثَلُ فالأمثل، إنّ الرجُلَ يُبتلى على حَسَبِ دينِهِ فمَن كانَ في دينِهِ صُلبًا اشتدَّ بلاؤهُ ومَنْ كانَ غيرَ ذلك كانَ بلاؤهُ على حَسَبِهِ)) أما مِنْ حيثُ الجُملَةُ فلا يصيرُ إلا أنْ يُغيّرَ القومُ حالَهُم. وأخبرنا سبحانَهُ أنه ﴿وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا﴾ أي عذابـًا ﴿فَلاَ مَرَدَّ لَهُ﴾ أي فلا يدفعُهُ شىء وأنه ليسَ لهم مِنْ دونِ الله مَن يلي أمرَهم ويدفعُ عنهُم.
وأخبرنا سُبحانَهُ بأنه يُرينا البرقَ ويَجعلُ في نفوسِنا الخوفَ مِنْ وقوعِ الصَّواعِقِ علينا عند لَمْعِ البرق ويجعلُ في نفوسِنا الطَّمَعَ في الغيثِ والمطَرِ الذي في السَّحاب، أو يَخافُ المطَرَ مَنْ يَخشى منه الضَّررَ على نفسِهِ كالمُسافِر ومَن له بيتٌ يطمعُ به لِمنفعَتِهِ. وأخبرنا سبحانه أنه ﴿يُنْشِىءُ السَّحَابَ الثِّقَالَ﴾ التي تحمِلُ الأمطار وأنّ الملَكَ الذي يسوقُها واسمُهُ الرَّعدُ يُسَبّحُ بِحَمدِ ربه مُنَزِّهًا له عن الشبيهِ والمثيل، وأنَّ الملائكةَ يُسبّحونَ خالِقَهم إجلالاً وتَعظِيمًا ومهابَةً، وقد روى الترمِذِيُّ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “الرَّعدُ مَلَكٌ موكَّلٌ بالسَّحاب معه مَخاريقُ مِنْ نار يسوقُ بها السَّحاب” فالصَّوتُ الذي يُسمَعُ هو زَجْرُ الملَكِ السَّحابَ بالمخاريق حتى ينتهيَ بها إلى حيثُ أمرَ الله والبرقُ يظهرُ عندَ ذلك، ويُسَنُّ لنا أنْ نقولَ عندَ رؤيةِ البرقِ وسَماعِ الصَّوت: سبحانَ مَنْ يُسبّحُ الرعدُ بِحمدِهِ والملائكةُ مِنْ خِيفَتِهِ، وفي الحديثِ أنه صلى الله عليه وسلم كانَ إذا سَمِعَ صوتَ الرَّعدِ والصَّواعِقِ قال: ((اللّهمَّ لا تقتلنا بغضبِك ولا تُهلِكنا بعذابِك وعافِنا قبلَ ذلك))[2].
وأخبرَنا سبحانَهُ بأنهُ يُرسلُ الصَّواعِق، والصَّاعِقَةُ نارٌ تسقُطُ مِنَ السَّماءِ فيُصيبُ بِها مَنْ يشاءُ مِنْ عبادِهِ، ولَمَّا ذَكَرَ عِلمَهُ النافِذَ فِي كلِّ شىء واستواءَ الظاهرِ والخفيِّ عندَهُ وما دلَّ على قدرَتِهِ الباهِرَةِ ووَحدانيّتِهِ قال: ﴿وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللهِ﴾ يعنِي الذينَ كذَّبوا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فهم يُجادِلونَ فِي الله حيثُ يُنكرونَ على رسولِهِ ما يَصِفُهُ به مِنَ القُدرَةِ على البعث وإعادَةِ الخلائق بقولِهم: ﴿مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾[3] ويَردّونَ الوَحدانِيّةَ باتخاذِ الشُّركاء ويَجعلونَهُ بعضَ الأجسام بقولِهم: الملائكةُ بناتُ الله، ومِنَ المُشركين المجادلينَ المعاندينَ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم مَنْ أرسَلَ اللهُ عليهِ صاعِقَةً فأحرقتهُ وذلك أنَّ أَرْبدَ أخا لبيدِ بنِ ربيعة العامِرِيّ قالَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم حينَ وفدَ عليهِ مَع عامرِ بنِ الطُّفَيل قاصدينَ لقتلِهِ عليه السَّلام فابتلى اللهُ عامرًا بغُدّةٍ كغُدَّةِ البعير ثُمَّ ماتَ في بيتِ امرأةٍ مِنْ سَلول وأرسَلَ على أَرْبد صاعِقةً فقتلتهُ، وكانَ هذا الخبيث قالَ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم: أخبرني عن ربنا أمِن نُحاسٍ هو أَم مِن حديد.
﴿وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ﴾ أي يوصلُ الضَّررَ والهلاكَ لأعدائهِ مِنْ حيثُ لا يَحتسبون.
نسألُ الله السلامةَ والنجاةَ والثباتَ على الحقِّ إنه على ما يشاء قدير
وبعبادِهِ لطيفٌ خبير، اللهم ثبتنا على دينك وتوفَّنا وأنت راضٍ عنا
وَالحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين
[1] – سورة الرعد.
[2] – رواه أحمدُ والترمذيُّ والحاكم.
[3] – سورة يس.