إنَّ الحَمدَ للهِ نَحمدُهُ ونستعينُهُ ونستهديهِ ونشْكرُهُ ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنَا ومن سيئاتِ أعمالنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومن يُضلِل فلا هادِيَ له، وأشهدُ أنْ لا إلـهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مثيلَ لهُ ولا ضدَّ ولا نِدَّ لهُ وأشهدُ أنَّ سيدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرَّةَ أَعْيُنِنَا محمَّدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهِ وعلى كلّ رسولٍ أرسلَهُ.
أمّا بَعْدُ عبادَ اللهِ، فإني أوصيكُم ونَفْسي بِتَقْوى اللهِ العَلِيّ العظيمِ القائِلِ في كِتابِهِ المعْجِزَةِ الكريمِ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ *يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ *﴾ [سورة الحج] .
اتّقوا اللهَ عِبادَ الله القائلِ في مُحْكَمِ كِتابِهِ: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ *﴾ [سورة التكاثر] .
وَصَدَقَ مِصْباحُ التَّوحيدِ سيّدُنا عليٌّ رَضِيَ اللهُ عنهُ حينَ قالَ: «الدُّنْيا حَلالُها حِسَابٌ وحَرَامُها عِقابٌ».
معنى «حَلالُها حِسابٌ» أنَّ الإنْسانَ يُسأَلُ عَنِ المالِ الحَلالِ الذي دَخَلَ عليهِ في الدُنْيا مِنْ أَيْنَ أَخَذَهُ، فَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ حَلالٍ نَجا ومَا عليهِ عُقوبَةٌ، وإِنْ كانَ جَمَعَهُ مِنْ حَرامٍ فإنَّه يَسْتَحِقُّ العِقابَ ولَوْ صَرَفَهُ في طُرُقِ الخَيْرِ، إنَّمَا المؤْمِنُ السَّالِمُ هو الذي اتّقَى ربَّهُ عزَّ وجَلَّ وجَمَعَ ما وَصَلَ إليْهِ مِنَ المالِ بِطَريقٍ حلالٍ وصَرَفَهُ في طَريقٍ مُباحٍ.
لذلكَ إِخوةَ الإيمانِ فإننا نُذَكّرُكُمْ بِصِفاتِ التَّاجِرِ الصَّدوقِ، فَلَقَدْ قالَ الصَّادِقُ المصْدوقُ حبيبُنا محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم: «التاجِرُ الصَّدوقُ يُحْشَرُ يَوْمَ القِيامَةِ مَعَ النَّبِيّينَ والصّدّيقينَ والشُهَداءِ والصَّالِحينَ» . وقالَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «طلبُ الحلالِ واجبٌ على كلّ مُسْلِمٍ» .
فعَلَى منْ أرادَ البيعَ والشراءَ أنْ يتعلّم كيف يبيع ويشتري بطريق الحلال وإلا أَكَلَ الرّبا شاءَ أمْ أبَى، والسبيلُ لِتَجَنُّبِ أَكْلِ الرّبا ولِتَجَنُّبِ أَكْلِ المالِ الحرامِ التَّفَقُّهُ في دينِ اللهِ تَعالى. وقَدْ ثَبَتَ عَنْ سَيّدِنا عُمَرَ ابْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قولُه: «لا يَقْعُدُ في سوقِنا مَنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ».
لأنَّ مَنْ لم يَتَعلََّّمْ ما يَتَعَلَّقُ بِذلِكَ مِنَ الأحْكامِ الشَّرعِيَّةِ يُخْشى عليهِ أنْ يَقَعَ في الرّبا الذي هُوَ مِنْ أَكْبَرِ الكبائِرِ، فلْيَحْذَرِ المؤْمِنُ منْ جميعِ أنواعِ الرّبا ولا يَسْتَهِنْ بِشىءٍ مِنَ الرِّبا فإنَّ عاقِبَةَ الرّبا وَخيمَةٌ، وقدْ ظَهَرَ مِنْ أناسٍ بعدَ وفاتِهِمْ وَهُمْ في قبورِهِمْ ءاثارٌ من عَذَابِ القَبْرِ وكانوا معروفينَ بالرّبا. كانَ فيما مضى رَجلٌ مَعْروفٌ بالمُراباةِ وكانَ فيهِ تَجَبُّرٌ على الناسِ حتى إنَّهُ كانَ مرَّةً في موكبٍ وهوَ راكبٌ بغلةً فرأى امْرَأَةً أَعْجَبَتْهُ فَأَخَذَها قَهْرًا وزوجُها رجلٌ مسكينٌ ضعيفٌ، ثمَّ ماتَ هذا الرّجُلُ المرابي فَصَارَ يَطْلُعُ مِنْ قَبْرِهِ الدُّخانُ صارَ أهلُهُ يَجْمعونَ لَهُ المشايِخَ، فَقالَ لهمْ بعْضُ المشايِخِ «اسْتَسْمحوا لهُ الناسَ الذينَ كانَ يأْخُذُ منهمُ المالَ بالقرضِ» لأنَّهُ اشترَطَ بإقْراضِهِ لهُمْ جَرَّ منفعةٍ لهُ، فصاروا يدورون على الناسِ ويقولونَ لهذا سامِحْ فُلانًا ولِهذا ولِهذا، وكثيرٌ مِنَ الناسِ يَقرأونَ لَهُ على القَبْرِ ثُمَّ بَعْدَ سَبْعَةِ أيَّامٍ انْقَطَعَ هذا الدُّخانُ مِنْ قبرِهِ. وما يَسْتُرُهُ اللهُ أكثرُ إنما يُظْهِرُ القليلَ منَ الكثيرِ. اللهُ تباركَ وتعالى يُخفي حالَ أكثرِ المرابينَ ولا سيَّما في هذا العصرِ، وما أكثرَ عدَدَهُم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «التاجرُ الصدوقُ يُحشَرُ يَوْمَ القيامةِ مَعَ النَّبيينَ والصّدّقينَ والشُّهداءِ» ، وما ذاكَ إلاّ لأَجْلِ ما يلقاهُ منْ مُجاهَدَةِ نَفْسِهِ وهَواهُ وقهرِها على إجراءِ العقودِ على الطريقِ الشرعيِ وإلاّ فلا يخفى ما توعَّدَ اللهُ به مَنْ تَعَدَّى الحدودَ، وقولُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «التاجرُ الصدوقُ يُحشَرُ يَوْمَ القيامةِ مَعَ النَّبيينَ والصّدّقينَ والشُّهداءِ» بشارةٌ لِمَنْ تَعاطى التّجارةَ واتَّقى اللهَ بِتَجَنُّبِ ما حرَّمَ اللهُ تعالى مِنْ أنواعِ التِّجاراتِ المحرَّمَةِ والخِيانَةِ والغَشّ والتَّدْليسِ، والْتَزَمَ الصّدْقَ في وَصْفِهِ لبِضَاعَتِهِ وسِلْعَتِهِ وفي إخبارِهِ بالثَّمَنِ، بشارةٌ لَهُ بأنَّهُ مِنَ الذينَ لا خوفٌ عليهمْ ولا هُمْ يَحْزَنونَ.
إخوةَ الإيمانِ، رسولُ اللهِ أدَّبَنا أحسَنَ تأديبٍ، قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: «إذا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إلى مَنْ هوَ أفضلُ منْهُ في المالِ والخلْقِ فلينْظُرْ إلى مَنْ هُوَ أسفلُ مِنْهُ».
كثيرٌ مِنَ النَّاسِ يَنْظرونَ إلى مَنْ عِنْدَهُ مالٌ أكثرَ منهمْ ينظرونَ إلى زينةِ الدّنْيا ومباهِجِ الدُّنيا وزخارِفِ الدُّنْيا، فَبَعْضُهُمْ يتحسَّرُ في قلْبِهِ ويسعى لِجَمْعِ المالِ ولا يسألُ، ويأكلُ المالَ الحرامَ ولا يسألُ، ويَدْخُلُ في معاملاتٍ فاسدةٍ مخالفةٍ للشرعٍ ولا يسألُ.
لذلكَ أخي المسلمَ انظرْ إلى مَنْ هُوَ أدْنى منكَ في الدنيا، إذا كانَ حذاؤكَ مُمَزّقًا فَقُلْ «غيري بلا قدمين».
اللَّهُمَ اكْفِنا بِحَلالِكَ عنْ حرامِكَ وبِطاعَتِكَ عنْ مَعْصِيَتِكَ وأَغْنِنا بِفَضْلِكَ عمَّنْ سِوَاكَ يا أرحَمَ الراحِمينَ.
هذا وأستغفرُ الله لي ولكُم.
الخطبةُ الثانيةُ:
إنَّ الحَمدَ للهِ نَحمدُهُ ونستعينُهُ ونستهديهِ ونشْكرُهُ ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنَا ومن سيئاتِ أعمالنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومن يُضلِل فلا هادِيَ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيِّدَنا محمَّدًا عبدُهُ صَلَواتُ اللهِ وسلامُه عليهِ وعلى كلّ رسولٍ أرسلَهُ.
أمّا بَعْدُ عبادَ اللهِ، فإني أوصيكُم ونَفْسي بِتَقْوى اللهِ العَلِيّ العظيمِ القائلِ في مُحْكَمِ التَّنْزيلِ: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ *﴾ [سورة التوبة] .
اعلمْ أخي المؤمنَ أنَّهُ تَجِبُ الزكاةُ في النَّقْدِ أيِ الذّهبِ والفِضّةِ وأمّا غيرُ الذهبِ والفضةِ مِنَ الأثمانِ فلا زكاةَ فيهِ عندَ الإمام الشافعيِ ومالكٍ وأحمَدَ رضِيَ اللهُ عنهمْ. وقَدْ نَصَّ على ذلكَ أئمة مِنَ المذاهبِ الثلاثةِ المذكورةِ كما في «المدونةِ» للإمامِ مالكٍ وشرحِ المنتهى للحنابِلَةِ وغيرِهِمَا.
وتجِبُ الزكاةُ في العملة الورقية عندَ الإمامِ أبي حنيفةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ لأنهَّا تروجُ رواجَ الذَّهَبِ والفضةِ؛ فَمَنْ أخَذَ بِمَذاهِبِ الأئمَّةِ الثَّلاثَةِ فلا يُعتَرَضُ عليهِ ومَنْ أَخَذَ بِمَذْهَبِ أبي حنيفةَ فَزَكَّاهَا أََخَذَ بالاحْتِياطِ، وهذا ما أَفْتى بِهِ العلامة المحدث الشيخُ عبدُ اللهِ الهرريُّ رضيَ اللهُ عنهُ. وإن اعترضَ مُعْتَرِضٌ على هذهِ المسئلةِ فهو إنّمَا يعترض على الأئمَّةِ أصحابِ المذاهبِ المُعْتَبَرَةِ الشافعيّ ومالكٍ وأحمَدَ بنِ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللهُ عنهمْ أجمعينَ فيُقالُ لهُ: ليسَ لكَ أنْ تُنْكِرَ، فإنَّ اللهَ تعالى ما ذكرَ في القرءانِ وعيدًا إلا فيمَنْ يَكْنِزُ الذهبَ والفضةَ ولا يُنْفِقُها في سبيلِ اللهِ. فلْيَتَّقِ اللهَ امرؤٌ ولْيَحْذَرْ أن يهْرِفَ بما لا يعرفُ فإنَّ اللهَ تعالى لا تَخْفى عليهِ خافيةٌ والموتُ ءاتٍ وكلُّ ءاتٍ قريبٌ. واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا *﴾ اللّهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم، وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ *يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ *﴾ ، اللّهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا، اللّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ، ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ، اللّهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ، اللّهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون. اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ، واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ، واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.