الحمدُ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهْدِيهِ ونشكُرُه ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا وسيّئاتِ أعْمَالِنا مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هادِي لهُ، وأشهدُ أنْ لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مَثيلَ لهُ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لهُ، الذي أَنْزَلَ على قَلْبِ نَبِيّهِ وحبِيبِهِ مُحَمَّدٍ:
﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ *﴾ [سورة الحشر] .
وأشهدُ أنَّ سيدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرَّةَ أَعْيُنِنَا محمَّدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ وصَفِيُّهُ وحبيبُهُ، يا حبيبي وقُرَّةَ عيْني وحِبَّ روحي وفؤادِي يا محمَّدُ.
يا حبيبي في مُحَيَّاكَ تَباشِيرُ السَّلامِ وفؤادِي لَكَ غَنَّى أَلْحَانَ الغَرام أنْتَ حِبُّ اللهِ يا مَوْلايَ في الأنَامِ بِحِماكُمْ يا حَبِيبي أنَا صَبٌّ مُسْتَهَام.
الصلاةُ والسَّلامُ عليكَ سيِّدِي يا رسولَ اللهِ، يا عَلَمَ الهُدَى يا أبا القاسِمِ يا أبا الزَّهْراءِ يا مُحَمَّدُ، يا مُحَمَّدُ ضاقَتْ حيلَتُنَا وأنْتَ وسيلَتُنَا أدْرِكنَا يا رسولَ اللهِ، أدْرِكْنَا بِإِذْنِ اللهِ.
أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ، فإنّي أوصيكُمْ ونَفْسِي بتقوَى اللهِ العَلِيّ القديرِ القائِلِ في مُحْكَمِ كِتابِهِ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ *الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ *﴾ [سورة المؤمنون] .
والخشوعُ إخوةَ الإيمانِ عَمَلٌ قَلْبِيٌّ يُتَوَصَّلُ إليهِ بأسباب منها:
الإكْثَارُ مِنْ ذِكْرِ الموتِ، الإكْثارُ مِنْ ذِكْرِ هاذِمِ اللَّذاتِ. وقدْ جاءَ في الحديثِ عنْ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَكْثِرُوا ذِكْرَ هاذِمِ اللَّذَّاتِ المَوْت» . أيْ قاطِعِ اللَّذّاتِ.
إخوةَ الإيمانِ مِنْ أسبابِ الخشوعِ الإكثارُ مِنْ ذِكْرِ الموتِ يَقولُ في نَفْسِهِ قبل الدخول في الصلاة: «لَعَلَّ هذهِ الصلاةَ ءاخرُ صَلاتِي» أيْ لَعَلِّي لا أعيشُ بعدَها فَيَصيرُ في قَلْبِهِ خوفٌ مِنَ اللهِ. فاخْشَعْ للهِ أخي المسلمَ عندَ قولِكَ «اللهُ أكبَرُ»، اللهُ أكبرُ كبيرٍ قَدْرًا وعَظَمَةً لا حَجْمًا لأنَّ اللهَ مُنَزَّهٌ عنِ الحجْمِ، فاخْشَعْ للهِ أخي المسلمَ عندَ قراءةِ الفاتِحَةِ وتَفَكَّرْ في مَعَانِي هذهِ الآياتِ القُرْءانِيَّةِ العَظيمَةِ. تَفَكَّرْ في مَعْنَى قولِهِ تَعَالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ *مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ *﴾ [سورة الفاتحة .]
اللهُ سبحانه وتعالى هو مالِكُ الدُّنْيا والآخرةِ إنَّمَا أَفْهَمَنَا في هذِهِ الآيَةِ عُظْمَ ذلِكَ اليَوْمِ.
فاحرِصْ أخي المُسْلِمَ أنْ لا تكونَ مِنْ هؤلاءِ الذينَ إذا دَخَلُوا في الصَّلاةِ يَشْغَلُهُمْ أمْوالُهُمْ وأولادُهُمْ وأزواجُهُمْ وأعْمالُهُم الدُّنْيَوِيَّةُ عنِ الخُشوعِ في الصَّلاةِ، ولا تَكُنْ كأولئِكَ الذينَ يقولونَ في أَنْفُسِهِمْ «متى يَنْتَهِي الإمامُ؟» لمجرَّدِ الإسراعِ في الصلاةِ، ولا كأولئِكَ الذينَ يُسْرِعونَ في صلاتِهِمْ ويَنْقُرونَ كَنَقْرِ الدِّيكِ. بعضُ الأولادِ في صلاتِهِمْ يفَكّرونَ باللَّعِبِ، اللَّعِبِ بالدَّراجَةِ أو بالكرَةِ أو نحوِ ذلكَ ولا يَخْشَعونَ في صلاتِهِمْ للهِ سبحانَهُ وتَعَالى، فاللَّعِبُ يكونُ همَّهُمُ الأوَّلَ ولا يَتَفَكَّرونَ في مَعانِي الكلماتِ التي تَطْمَئِنُّ القلوبُ بِذِكْرِهَا. وإياكَ أنْ تكونَ كأولئِكَ الذينَ يشْغَلُهُمْ «خِنْزبُ» وهوَ شيطانٌ يُوَسْوِسُ للمُصَلّي أثناءَ صلاتِهِ محاوِلاً إلهاءَهُ. ولا تَنْشَغِلْ أخي المصَلّي بمشاكِلِ الدُّنيا والهمومِ أثناءَ صلاتِكَ ولا بالجاهِ ولا بالصّيتِ ولا بالسُّمْعَةِ، واترُكْ أمورَ بَيْتِكَ وسيارتِكَ ودكانِكَ وثيابِكَ واخشَعْ في صلاتِكَ أثناءَ ركوعِكَ وأثناءَ سجودِكَ وأثناءَ قيامِكَ.
اخشعْ للهِ أخي المسلمَ في صلاتِكَ وتَذَكَّرِ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم الذي قامَ يومًا للصلاةِ فَبَكى ورَكَعَ وبَكى وسَجَدَ وبَكَى، حتّى ابْتَلَّ التُّرابُ الذي بِمُحاذاتِهِ صلى الله عليه وسلم. وتَذَكَّرْ عليَّ بنَ الحُسَيْنِ الذي لُقّب بالسَّجَّادِ لِكَثْرَةِ سجودِهِ الذي كانَ يُصَلّي في اليوم الواحد ألفَيْ رَكْعَة مِنَ السُّنَنِ، واشْتَعَلَتِ النَّارُ يومًا في بيتِهِ وهوَ يُصَلّي فصاروا ينادونَهُ «يا عليُّ النارَ النارَ» فلمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلاةِ قالَ لَهُمْ: شُغِلْتُ عنْ نارِكُمْ بِنَارِ الآخِرَةِ.
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ *الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ *﴾ [سورة المؤمنون] .
والخشوعُ هوَ استشعارُ الخوفِ منَ اللهِ عزَّ وجلَّ واستشعارُ مَحَبَّتِهِ وتَعْظِيمِهِ. تَفَكَّرْ في قولِكَ «سُبْحانَ ربّيَ الأعْلى» أي أُنَزّهُ رَبيَ الأعْلى أيِ الذي هوَ أعْلَى مِنْ كُلّ عليّ أيْ علوَّ قَدْرٍ لا عُلُوَّ حَيّزٍ لأنَّ الشَّأْنَ في عُلُوِّ القَدْرِ ليسَ في عُلُوّ الحَيّزِ والمكانِ، والله موجودٌ بلا مَكانٍ.
والدليلُ على ذلكَ إخوةَ الإيمانِ أنَّ حَمَلةَ العرشِ والحافّينَ حَوْلَهُ منَ الملائِكَةِ مكانُهُمْ أرْفَعُ مَكانٍ ومعَ ذلكَ فليْسُوا همْ أَفْضَلَ مِنَ الأنبياءِ الذينَ همْ في حَيّزٍ ومكانٍ دونَ ذلِكَ بمسافَةٍ كبيرَةٍ بلِ الأنبياءُ وإنْ كانَ مُسْتَقَرُّهُمُ الأرضَ أعْلَى قدْرًا عندَ اللهِ منْ أولئكَ الملائكةِ.
عبادَ اللهِ، إنَّ مِنَ الحجارَةِ لما يَشَّقَّقُ مِنْ خشيَةِ اللهِ فكيفَ قلوبُ أهلِ التَّقْوى؟ إذا كانَتِ الخَشَبَةُ حَنَّتْ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وكانَ الحَسَنُ البِصْرِيُّ يَقولُ: «يا مَعْشَرَ المسلمينَ الخشبةُ تَحِنُّ إلى رسولِ اللهِ شوْقًا إليهِ أفَلَيْسَ الرّجالُ الذينَ يَرْجونَ لِقَاءَهُ أَحَقَّ أنْ يَشْتَاقُوا إليْهِ؟» والحجارةُ تَخْشَعُ للهِ سبحانَهُ وتَعَالى. أحدُ الأولياءِ وَقَفَ على صَخْرَةٍ وأرادَ أنْ يُؤَذّنَ فقالَ اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ إلى أنْ وَصَلَ إلى قَوْلِهِ أَشْهَدُ أنْ لا إلـهَ إلا اللهُ أشهدُ أنَّ محمّدًا رسولُ اللهِ فانْفَلَقَتِ الصَّخْرَةُ مِنْ تَحْتِهِ.
فاخشَعْ أخي المسلمَ واثبُتْ على طاعةِ اللهِ، فاللهُ شَكورٌ عليمٌ بِعِبادِهِ. فلَقَدْ روَى ابنُ أبي الدّنيا في كتابِ «الرّقَّة والبُكاء» أنَّ وَرَّادَ العَجْلِيَّ لمّا ماتَ وَحُمِلَ إلى حُفْرَتِهِ نَزَلُوا لِيَدْفِنوهُ في حُفْرَتِهِ فإذا اللَّحْدُ مَفْروشٌ بالرَّيْحانِ فأخَذَ بَعْضُهُمْ منْ ذَلِكَ الرَّيحانِ فَمَكَثَ الرَّيْحانُ سبعينَ يوْمًا طريًا لا يَتَغَيَّرُ، يغدو الناسُ ويروحونَ ينظرونَ إليهِ فأكثَرَ الناسُ في ذلكَ فَأَخَذَهُ الأميرُ وفَرَّقَ النَّاسَ خَشْيَةَ الفِتْنَةِ ثمَّ افْتَقَدَهُ الأميرُ مِنْ منْزِلِهِ لا يدْرِي كيفَ ذَهَب.
اللهمَّ ارزُقْنَا الخشوعَ في الصَّلاةِ وارزُقْنا التُّقَى والنَّقَى والعفافَ والغِنَى يا ربَّ العالمينَ.
هذا وأسْتَغْفِرُ اللهَ لي ولَكُمْ.
الخطبةُ الثانيةُ:
إنَّ الحَمدَ لله نحمدُهُ ونستعينهُ ونستهديهِ ونشكرُهُ ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنَا ومن سيئاتِ أعمالنا، مَن يهدِ الله فلا مُضِلَّ لهُ ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلـهَ إلا الله وحدَهُ لا شريكَ لهُ وأنَّ محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ صَلَواتُ الله وسلامُهُ عليهِ وعلى كلّ رسولٍ أَرْسَلَهُ.
أمّا بعدُ عبادَ الله فإنّي أوصيكُمْ ونفسي بِتَقوَى الله العليّ القديرِ واعلَموا أنَّ الله أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا *﴾ اللّهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم، وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ *يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ *﴾ ، اللّهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا، اللّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ، ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ، اللّهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ، اللّهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنَا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ الله إنَّ الله يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون.اذكُروا الله العظيمَ يذكرْكُمْ، واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ، واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.