إنَّ الحَمدَ لله نحمدُهُ ونستعينهُ ونستهديهِ ونشكرُهُ ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنَا ومن سيئاتِ أعمالنا، مَن يهدِ الله فلا مُضِلَّ لهُ ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلـهَ إلا الله وحدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مثيلَ لهُ، ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقرَّةَ أعينِنَا محمّدًا عبدهُ ورسولهُ وصفيُّه وحبيبُه، منِ انْشَقَّ لهُ القَمَرُ، وسلَّمَ عليْهِ الحَجَرُ، وانْقادَ إليهِ الشَّجَرُ، وهُوَ فَخْرُ رَبيعةَ ومُضَر صَلَّى الله وسلَّمَ عليهِ وعلى كلّ رَسولٍ أَرْسَلَهُ.
أمّا بعد فيا عبادَ الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليّ القديرِ القائلِ في كتابِهِ القرءانِ الكريمِ ﴿قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ [سورة الإسراء] إخوةَ الإيمانِ إنَّ المعجزاتِ التي حصلَتْ لِرَسولِ الله محمَّدٍ صلّى الله عليهِ وسلَّمَ في حالِ حياتِهِ قيلَ إنها بينَ الألفِ والثلاثَةِ ءالافٍ، وأعْظَمُ المعجزاتِ معجزةُ القرءانِ الكريمِ، المُعْجِزُ المبينُ وحَبْلُ الله المتينِ الذي وصفَهُ ربُّنا تباركَ وتعالى بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ *لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [سورة فصلت] وقدْ قالَ الإمام الشافعيُّ رَضِيَ الله عنهُ: «ما أَعْطَى الله نبيًّا مُعجِزَةً إلا وأعطى محمَّدًا مِثْلَها أو أَعْظَمَ مِنها». فَقيلَ للشَّافِعيّ: أعطى الله عيسى إِحياءَ الموتى، فقالَ رَضِيَ الله عنه: «أُعْطِيَ محمَّدٌ حَنينَ الجِذْعِ حتّى سُمِعَ صَوْتُهُ فَهذا أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ». فقدْ جاءَ عَنْ جابرِ بنِ عَبْدِ الله: «أنَّ امرأةً منَ الأنصارِ قالتْ: يا رسولَ الله ألا أجعلُ لكَ مِنْبَرًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ فَإِنَّ لي غلامًا نجَّارًا، قالَ: إنْ شِئْتِ، قالَ: فَعَمِلَتْ لَهُ مِنْبَرًا فلمّا كانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ قَعَدَ على المِنْبَرِ الذي صُنِعَ لَهُ، فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ التي كانَ يَخْطُبُ عِنْدَها حتّى كادَتْ تَنْشَقُّ، فَنَزَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتّى أَخَذَها، فَضَمَّها إليهِ فجَعَلَتْ تَئِنُّ أَنينَ الصَّبِيّ الذي يُسكَّتُ، حتّى استقَرَّت» يا معشَرَ المسلمين، الخَشَبَةُ تَحِنُّ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم شوقًا إليهِ، أفََلَيْسَ الرّجالُ الذينَ يَرْجونَ لِقاءَهُ أَحَقَّ أنْ يشْتاقوا إليهِ. إنّي مُشْتاقٌ إِليكَ يا رَسولَ الله إنّي مُشتاقٌ إليكَ يا حبيبَ الله.
أَبْكي وزادَ أَنيني
شَوْقًا إليكَ حَبيبُ
مِنْ لَوْعَتي وَحنيني
القلبُ فيهِ لَهِيبُ
ذِكْراكَ يا محبوبي
في القلب ليسَ تَغيبُ
كُنْ مُسعِفِي ومُعِيني
إنَّ الغَرامَ يُذيبُ
لكنَّ ما يُرويني
أنَّ الغرامَ طَبيبُ
محمّدٌ رسولُ الله محمَّدٌ حبيبُ الله اضْطَجَعَ يومًا تحتَ شَجَرةٍ فجاءَ إليهِ أعرابِيٌّ مُشْرِكٌ يريدُ قَتْلَهُ فَقَامَ على رأسِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بالسيفِ مشهورًا وقالَ: يا محمَّدُ مَنْ يَمْنَعُكَ مِنّي اليومَ، فقالَ محمَّدٌ النبّيُّ العربيُّ بقلبٍ ثابتٍ: «الله» فجاءَ جبريلُ ودَفَعَ المشرِكَ في صدرِهِ فَوَقَعَ السيفُ مِنْ يَدِهِ فأخَذَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وقامَ على رأس المشرك فقالَ: منْ يَمْنَعُكَ منّي، فقالَ: لا أحَدْ. وأنا أشهدُ أنْ لا إلـهَ إلا الله وأشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ الله.
ومِنْ مُعجزاتِهِ أنَّهُ كانَ صلى الله عليه وسلم يومَ الخندَقِ والصحابَةُ الكرامُ يَحْفُرونَ الخَنْدَقَ فعَرَضَتْ لَهُمْ صخرةٌ كبيرةٌ فأخبروا بذلكَ قائِدَهُمْ محمَّدًا فجاءَ صلى الله عليه وسلم فأَخَذَ المِعْوَلَ فسمَّى ثلاثًا ثمَّ ضَرَبَ الصخرةَ فَنَزَلَتْ رَمْلاً سائِلاً.
ومِنْ مُعجزاتِهِ صلواتُ ربّي وسَلامُهُ عليهِ أنه لما أتاهُ رجُلٌ من أهلِ اليمامةِ بِغُلامٍ يومَ وُلِدَ وقدْ لَفَّهُ في خِرقةٍ قالَ لهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «يا غلامُ مَنْ أنا» فأنْطَقَ الله تعالى الغلامَ فقالَ: أنتَ رسولُ الله، فقالَ لهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «بارَكَ الله فيكَ» فكانَ هذا الغُلامُ يُسَمَّى مُبارَكَ اليَمامَةِ.
ومِنْ مُعجزاتِهِ أنَّهُ كانَ صلى الله عليه وسلم يرى أصحابَهُ وهُمْ وراءَ ظهرِهِ في الصلاة فَعَنْ أَنَسِ بنِ مالكٍ قَالَ: بينَما رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذاتَ يومٍ إذْ أُقيمَتِ الصّلاةُ، فقالَ: «أيُّها النَّاسُ إني أمامَكُم فلا تسبِقوني في الركوعِ ولا في السجودِ ولا تَرْفَعوا رؤوسَكُمْ فإنّي أراكُم مِنْ أمامي ومِنْ خَلْفي» الحديثُ. وها هُوَ صلى الله عليه وسلم في يومِ حُنَيْنٍ يَهْزِمُ الكفَّارَ بِحَصَياتٍ رَماهُمْ بها كما رَوى العبّاسُ عمُّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ثمَّ أخَذَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حَصَياتٍ فَرَمى بِهِنَّ في وجوهِ الكفَّارِ ثمَّ قالَ: «انْهَزَموا ورَبّ مُحَمَّدٍ» .
إِخوَةَ الإيمانِ إنَّ الذي يُظْهِرُهُ الله تعالى على أيدي الأنبياءِ منَ الخوارقِ لا يُعارَضُ بالمثْلِ لأنَّهُ ليسَ سِحْرًا، السّحْرُ يُعارَضُ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ أمّا المعجزةُ لا تُعارَضُ بالمِثْلِ، فالمعجزةُ أمرٌ خارِقٌ للعادَةِ أيْ مُخالِفٌ للْعادَةِ يأتي على وَفْقِ دعوى منِ ادَّعَوا النُّبُوَّةَ سالِمٌ مِنَ المعارَضَةِ بالمِثْلِ صالِحٌ للتَّحَدّي.
هذا وأسْتَغْفِرُ الله لي ولَكُم.
الخطبةُ الثانيةُ:
الحمدُ لله نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهْدِيهِ ونشكُرُه ونعوذُ بالله مِنْ شرورِ أنفسِنا وسيّئاتِ أعْمَالِنا مَنْ يَهْدِ الله فَلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هادِي لهُ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ الله.
عبادَ الله أُوصِيْ نفسِيْ وإيّاكمْ بتقْوَى الله العَليّ العظيمِ يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [سورة الحشر] . إخوةَ الإيمانِ البعضُ منكم قد يكون مُتَسائلاً الآنَ، تُرى ما هيَ العبارةُ التي سيحذَََّرُ منها اليومُ؟ أو هل مِنْ عِبارَةٍ سَيُحَذّرونَ مِنها اليومَ؟ نَعَمْ إخوةَ الإيمانِ فالأمُّ التي تسافرُ مَعَ أولادِها في طريقٍ مُظلِمٍ ممتلئ بالحُفَرِ والمَخَاطِرِ لا تَمَلُّ من تحذيرهِمْ وتنبيهِهِمْ خوفًا وشفَقَةً عليهِم، كذلِكَ نحن لا نملّ من تحذيرِ المسلمينَ في هذا الزمنِ الذي انتشَرَ فيهِ الظلامُ والفسادُ والمخاطرُ فبَعْضُ الناسِ إذا غَضِبَ منْ شَخْصٍ ءاخرَ يقولُ والعياذِ بالله: فلانٌ زاحَ ربّي، فهذِهِ العبارةُ كفريَّةٌ مُخرِجَةٌ من دينِ الله لأنَّ هذهِ العبارةَ فيها نِسْبَةُ الحركةِ إلى الله ونِسْبَةُ صِفَةِ الانزِعاجِ إلى اللهِ، والله مُنَزَّهٌ عنْ صفاتِ خَلْقِهِ، قالَ الله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [سورة الشورى] فَمَنْ قالَ: فلانٌ زاحَ ربّي، هذا خرَجَ مِنْ دينِ الله وكَذلكَ لَيْس بِمُسلِمٍ مَنْ يَقولُ والعِياذُ بالله: «فلانٌ قدّ الله» لأنَّهُ جعَلَ لله مَثيلاً، فالْحَذَرَ الحَذَرَ إخوةَ الإيمانِ، إنَّ الغضبَ ليسَ عذرًا وكذلكَ المزاحُ ليسَ عذرًا، فمنْ تكلّمَ بإحدى هاتينِ العبارتينِ خرَجَ منْ دينِ الله ويعودُ إلى دينِ الإسلامِ بقولِ أشهدُ أنْ لا إلـهَ إلا الله وأشهدُ أنَّ محمّدًا رسولُ الله.
واعلَموا أنَّ الله أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللّهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ، وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ، إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ *يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ ، اللّهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا، اللّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ، ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ، اللّهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ، اللّهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ الله إنَّ الله يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون. اذكُروا الله العظيمَ يذكرْكُمْ، واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ، واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.