إنَّ الحَمدَ للهِ نَحمدُهُ ونستعينُهُ ونستهديهِ ونشْكرُهُ ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنَا ومن سيئاتِ أعمالنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومن يُضلِل فلا هادِيَ لهُ، وأشهدُ أنْ لا إلـهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مثيلَ لهُ ولا ضدَّ ولا نِدَّ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائِدَنا وقُرَّةَ أَعْيُنِنَا محمَّدًا عبْدُهُ ورَسولُهُ وصَفِيُّهُ وحَبيبُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وعلى كلِّ رسولٍ أرسلَهُ.
الصلاةُ والسلامُ عليكَ يا إِمامَ المتَّقينَ يا محمّدُ.
الصلاةُ والسلامُ عليكَ يا أبا الزهراءِ يا محمّدُ.
يا أبا الزهراءِ يا أبا القاسمِ يا قرَّةَ عيْني وحِبَّ روحي وفؤادِي يا محمَّدُ.
أما بعدُ عبادَ اللهِ، فإنّي أوصيكُمْ ونفسي بتقوَى اللهِ العليّ العظيمِ القائلِ في مُحْكَمِ كِتَابِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِيْنُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ *﴾ [سورة البقرة] .
هيَ أيَّامٌ مَعْدودَةٌ قصيرةٌ تَمْضي كالخَيالِ ويُقْبِلُ علينا شهرُ التوبةِ والرحمةِ والإحسانِ والزهدِ والخيراتِ والبركاتِ، أيامٌ معدودةٌ تمضِي كالخيالِ ويُقْبِلُ علينا بإذْنِ اللهِ ربّ العالمينَ أفضلُ الشّهورِ رمضانُ، تُرى ماذا أنْتَ فاعِلٌ في رمضانَ؟
وبدأْتُ خُطْبَتِي اليومَ بآيةٍ مِنْ كتابِ اللهِ العظيمِ فيها الحثُّ على الصَّبْرِ لأنَّهُ لا بدَّ لكَ مِنَ الصَّبرِ في رمضانَ لأجلِ الصّيامِ، لأجْلِ القِيامِ، لأجلِ صِلَةِ الأرحامِ، لا بُدَّ لكَ مِنَ الصَّبْرِ.
رمضانُ شهرُ التَّوْبَةِ والتَّقْوى فماذا أنْتَ فاعِلٌ في رَمَضانَ؟ هل سَتَكونُ مِنَ المُقْبِلينَ على الطاعةِ التائبينَ الخاشعينَ الذّاكرين أمْ سَتَصومُ في النهارِ وتَنْغَمِسُ في المعاصي في اللَّيلِ بِدَعوى أنَّكَ تُريدُ أنْ تُمَوّهَ عَنْ نَفْسِكَ في اللَّيلِ لأَنَّكَ صُمْتَ في النَّهَارِ؟!! ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِيْنُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ *﴾ .
رمضانُ موعِدٌ معَ طاعةِ اللهِ وليسَ مَوْعِدًا مَعَ المغَنّينَ والمغنّياتِ، رمضانُ موعِدٌ مَعَ طاعةِ اللهِ ليَسْتَعْمِلَ الواحدُ مِنَّا جَسَدَهُ الذي مَنَّ اللهُ تعالى عليه بهِ في طاعةِ اللهِ.
رمضانُ ليسَ وقتَ التَّنَقُّلِ بيْنَ فضائِيَّةٍ وفَضَائِيَّةٍ لِمُشاهَدَةِ المسلسلات التي تضيع الأوقات. رمضانُ شهرُ القيامِ، شهرُ الاعْتِكافِ في المساجدِ، شهر الإحسان، شهر المبرات، شهر الطاعات.
رمضانُ شهرُ الزُّهْدِ، والزُّهْدُ هُوَ قَطْعُ النَّفْسِ عنِ اتّباعِ المُسْتَلَذَّاتِ والمُسْتَحْسَناتِ، وليسَ شهرَ التُّخَمَةِ، فيا عَجَبًا كيفَ يتوسع بعض الناسِ في المُسْتَلَذَّاتِ والمَطْعومَاتِ ويَأْكلونَ في رمضانَ ما لا يَأْكُلونَهُ في غَيْرِ رَمضانَ!!
منَ الناسِ مَنْ يَشْغَلُ فِكْرَهُ منذُ الصَّباحِ بما سَيَأْكُلُهُ عند الإفْطارِ، ويَشْغَلُ مَعَهُ زوجَتَهُ بَدَل أنْ يَشْغَلَ نَفْسَهُ بحضورِ مجالسِ علمِ الدّينِ ويَحُثَّ زَوْجَتَهُ على حضورِها. مِن الناس مَنْ لا يَشْغَلُ فِكْرَهُ وَوَقْتَهُ وجَسَدَهُ إلا بالتَّحضيرِ للطَّعامِ على الإِفْطارِ وبِطَبَقِ الحلْوَى بعدَ الإِفْطارِ وبالتلهي هناك وهنالك، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم حَثَّنا على التَّزَوُّدِ مِنْ هَذِهِ الدُّنيا مِنَ الخيراتِ قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: [لا يَشْبَعُ مُؤْمِنٌ مِنْ خَيْرٍ حتّى يكونَ مُنْتَهاهُ الجَنَّة] .
فماذا أنتَ فاعِلٌ في رَمضانَ؟ هل سَتُقَلّلُ مِنَ التَّنَعُّمِ وتَتَذَكَّرُ الفُقَراءَ الذينَ تَحْسَبُهُمْ مِنَ العِفَّةِ أغنياءَ؟ هلْ ستَشْغَلُ أوْقاتَكَ بالنَّافِعِ المفيدِ؟ هل سَتَشْغَلُ فِكْرَكَ ووقْتَكَ بِتَرْبِيَةِ أولادِكَ تَرْبِيَةً صالِحَةً لِيَسْتَغْفِرُوا لكَ بَعْدَ مَوْتِكَ؟
وإيَّاكَ أنْ تظنَّ يا أخِي أنَّ في قولِ اللهِ تعالى: ﴿وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا*﴾ حثًا لكَ علَى التَّنَعُّمِ، بلِ الآيةُ مَعْناهَا: ولا تَنْسَ أنْ تَتَزَوَّدَ مِنْ دُنْياكَ لآخِرَتِكَ، ولَوْ كانَ مَعنَاها الحثَّ على التَّنَعُّمِ لكانَ النبيُّ أكثرَ النَّاسِ تَنَعُّمًا، ولكِنَّهُ كانَ أكثرَ الناسِ زُهْدًا كمَا هُوَ حالُ كلّ نَبِيٍ، حتَّى إِنَّهُ كانَ لا يوقَدُ في بَيْتِهِ نارٌ للطَّبْخِ الشَّهْرَ والشَّهْرَيْنِ إنَّمَا طعامه التَّمرُ والماءُ.
فتَواصَوْا يا إخواني يَرحمْكُمُ اللهُ تعالى بِتَرْكِ التَّنَعُّمِ إذِ الاسْتِمرارُ كلَّ يومٍ على تَنَاوُلِ الطَّعامِ اللذيذِ أمرٌ لا خيرَ فيهِ. أولياءُ اللهِ لا يَشْغَلونَ أوْقاتَهُمْ بِتَنْويعِ أصنافِ الطَّعامِ والتَّوَسُّعِ بِلَذيذِهَا، أولياءُ اللهِ الزُّهْدُ شَأْنُهُمْ وتَرْكُ التَّنَعُّمِ عادَتُهُمْ.
إخوةَ الإيمانِ، إنَّ الغافِلَ مَنْ مَرَّ عليهِ تَعاقُبُ اللَّيلِ والنَّهارِ وتَعاقُبُ الأَهِلَّةِ والسّنواتِ وهو منشغل بالدنيا ونعيمها.
إخواني، إنَّ أيامَ الدّنيا قِصارٌ وأيامَ الآخرةِ طِوالٌ وإن الإنسانَ المؤمن إن أكثر مِنَ الحسناتِ فإنَّهُ يَنْتَفِعُ بها في الآخرةِ الباقِيَةِ التي ليسَ لها نِهايةٌ قأقْبِلُوا في شَهْرِ رمضانَ شهرِ التَّوبَةِ والرحمةِ والمغفرةِ، شهرِ القُرءانِ، شهرِ الفتوحاتِ والبطولاتِ إلى الخيراتِ والبركاتِ وأعمالِ البرّ والطاعاتِ وتَذكَّروا أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ أجودَ ما يكونُ في رَمَضانَ.
اللهمَّ أَهِلَّهُ عليْنا بالأمْنِ والأمَانِ يا ربَّ العالمينَ، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ حُبَّكَ وحُبَّ مَنْ يُحِبُكَ والعَمَلَ الذي يُبَلّغُنَا حُبَّكَ، اللَّهُمّ اجْعَلْ حُبَّكَ أَحَبَّ إليْنا منْ أنْفُسِنا وأهْلِنَا ومِنَ الماءِ الباردِ، وأعِنَّا على القِيامِ والصّيامِ وصِلَةِ الأرحامِ وتَعَلُّمِ وتَعْليمِ عِلْمِ أهْلِ السُّنَّةِ والجماعَةِ بِجاهِ محمَّدٍ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ.
هذا وأسْتَغْفِرُ الله لي ولَكُم.
الخطبةُ الثانيةُ:
إنَّ الحَمدَ لله نحمدُهُ ونستعينهُ ونستهديهِ ونشكرُهُ ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنَا ومن سيئاتِ أعمالنا، مَن يهدِ الله فلا مُضِلَّ لهُ ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلـهَ إلا الله وحدَهُ لا شريكَ لهُ وأنَّ محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ صَلَواتُ الله وسلامُهُ عليهِ وعلى كلّ رسولٍ أَرْسَلَهُ.
أمّا بعدُ عبادَ الله فإنّي أوصيكُمْ ونفسي بِتَقوَى الله العليّ القديرِ واعلَموا أنَّ الله أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا *﴾ اللّهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم، وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ *يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ *﴾ ، اللّهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا، اللّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ، ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ، اللّهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ، اللّهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ الله إنَّ الله يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون.اذكُروا الله العظيمَ يذكرْكُمْ، واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ، واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.